د.
وائل نجم
انفجر الوضع الأمني من جديد في مخيم
عين الحلوة بعد قرابة شهر من الهدوء الحذر الذي ساد المخيم في أعقاب الاشتباكات والمواجهات
التي اندلعت مطلع الأول من آب الماضي بين عناصر من حركة فتح وآخرين من تنظيم جند الشام
على ما تقول روايات أهل المخيم وفصائله. وقد أدّت موجة الاشتباكات الجديدة إلى موجة
نزوح جديدة من المخيم إلى خارجه، وإلى تدمير أجزاء أخرى من المخيم لم تتدمّر في الجولة
الأولى، وإلأهم من ذلك إلى بداية انقلاب في المزاج اللبناني عموماً والصيداوي خصوصاً
من المخيم وحتى من اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم.
المحيّر في اشتباكات عين الحلوة أنّ
كلّ الفصائل تصرّح وتتفق على وقف إطلاق النار وسحب المسلحين وإعادة الأمور والأجواء
إلى طبيعتها، وربما يحصل هذا الاتفاق كل يوم أو يومين أو ربما حتى مرّتين في اليوم
الواحد، أمّا على الأرض فتجد أنّ الاشتباكات وأعمال القنص وإطلاق الرصاص تتواصل من
دون أدنى اعتبار للقيادات التي تتفق في الصالونات والمكاتب، ومن أدنى اعتبار لمصير
أهل المخيم، ومن أدنى اعتبار لما يمكن أن يلحق المخيم أو حتى القضية الفلسطينية من
أضرار فادحة وجسيمة تصبّ بشكل أساسي في صالح العدو الإسرائيلي، وتشكّل جزءاً أو مرحلة
من مراحل تصفية القضية الفلسطينية وفي مقدمها حقّ العودة.
إنّ ما يجري في مخيم عين الحلوة يطرح
أسئلة كبيرة عن الخلفيات والقوى الفلسطينية أو اللبنانية أو ربما الخارجية التي تقف
خلف زمرة من الموتورين أو ربما من المأجورين والمرتزقة الذين لا يعون ما يقومون به
بحقّ أهلهم في المخيم أو بحقّ القضية الفلسطينية، وهو ما يمكن أن يقود إلى تدمير المخيم
بشكل تدريجي وممنهج وصولاً إلى التخلّص منه وهو المعروف بـ "عاصمة الشتات الفلسطيني"
فماذا يبقى من هذا الشتات إذا تدمّرت عاصمته؟! وماذا سيكون مصير المخيمات الأخرى الأقلّ
إمكانية وقدرة وتأثيراً في القرار الفلسطيني؟! وماذا سيكون مصير اللاجئين الفلسطينيين
في لبنان؟! الترحيل ؟ أم التوطين؟ أم المزيد من العزلة والمعاناة والحصار؟!
ربما يكون لدى البعض مشاريع معيّنة
تهدف إلى تصفية التواجد الفلسطيني في لبنان كمقدمة لشطب حق العودة وصولاً إلى إرساء
تسوية أو "سلام" معيّن مع كيان الاحتلال الإسرائيلي على الرغم من مشاهد الانتفاضة
والمقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية. وربما يكون لدى البعض الآخر مشاريع ونوايا لتصفية
التواجد الفلسطيني في لبنان كجزء من التخلّص من هذه "الفوبيا" التي صنعها
هذا البعض لنفسه وبات يعيش أسيراً لها معتبراً أنّ التواجد الفلسطيني في لبنان يخلّ
بالتوازنات الداخلية اللبنانية وبالتالي لا بدّ من التخلّص منه أو إضعافه أو جعله يفقد
أيّة قدرة على التأثير. وربما يكون الفريق الأول قد تقاطع على مصلحة واحدة مع الفريق
الثاني فشرعا معاً بتنفيذ خارطة طريق غير معلنة ولكنّ هدفها المضمر هو التخلّص من اللاجئين
ومن المخيمات ومن القدرة الفلسطينية على التأثير على صناعة قرارات المنطقة.
لكلّ
ذلك فإنّ ما يجري في مخيم عين الحلوة خطير وخطير جدّاً، وهو قد يصيب أيضاً بشظاياه
مدينة صيدا فتدفع ثمناً كبيراً، ولأجل ذلك يجب أن تتحلّى القيادات الفلسطينية على اختلافها
وتنوّعها بالمسؤولية تجاه قضيتهم وتجاه مستقبلها ومستقبل شركائهم اللبنانيين، واتخاذ
ما يلزم بشكل جدّي حقيقي لوضع حدّ لهذه الأحداث التي تبدو بسيطة ولكنّها تخفي خلفها
مشروعاً خطيراً يستهدف عمق القضية الفلسطينية ويؤسّس لشكل جديد في المنطقة قد يمتدّ
لمئة عام قادمة.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز"