عن أزمة حاكمية مصرف لبنان وصلاحية الحكومة
تموز 13, 2023

د. وائل نجم

الشغل الشاغل الذي يشغل الوسط السياسي المحلي في هذه الأيام هو قضية انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، آخر شهر تموز الجاري من دون التوصّل إلى كيفية ملء هذا الشغور في هذا الموقع الإداري المالي المهمّ في ضوء رفض نوّاب الحاكم استلام مهمّته في حال الشغور وقد أصدروا بياناً قبل أيام لوّحوا فيه بالاستقالة الجماعية. وفي ضوء رفض قوى سياسية تعيين حاكم جديد للمصرف في ظل الشغور الرئاسي وعدم وجود رئيس جمهورية أصيل، على اعتبار ذلك ضرباً للدور المسيحي في النظام، وإمعاناً في الشغور الرئاسي. وفي ضوء رفض قوى أخرى التمديد للحاكم سلامة في موقعه ريثما تنجلي الأمور في معركة رئاسة الجمهورية ويتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود فيها.

من الواضح إذاً إنّنا على أبواب أزمة جديدة لا تقلّ شأناً وأهمية عن باقي الأزمات، بل ربما تكون أخطرها خاصة إذا ما شغر المنصب ولم نجد في الأول من آب من يتحمّل المسؤولية ويتخذ القرار المناسب في المسائل والقضايا المالية محل صلاحية المصرف المركزي. وعلى هذا الأساس فإنّ المطلوب في الأيام المتبقيّة من شهر تموز إيجاد حلّ مناسب ولو طارىء لهذه الأزمة، ولو كان مرحلياً أو ظرفياً بحيث يكون لفترة زمنية محدّدة كما حصل في مسألة المجالس البلدية التي تمّ التمديد لها عاماً كاملاً كحدّ أقصى، وفي حال توفّرت الظروف لإجرائها قبل نهاية العام فيصار إلى إجرائها فوراً. هكذا يمكن أن تأخذ الحكومة قراراً إمّا بالتمديد لسلامة لفترة محدّدة ترتبط أساساً بانتخاب رئيس جمهورية أو بتغيير في الواقع يسمح بالتعيين. أو أن تأخذ قراراً بتعيين غيره في هذا المنصب لفترة محدّدة أيضاً ثم تنتهي عندما يكون هناك فرصة لتعيين أصيل. أو أن تكلّف النائب الأول أو الثاني أو أي من نوّاب الحاكم المهمّة لفترة محدّدة أيضاً. المهمّ أن يكون هناك حلّ ولو لمدة معيّنة يكون أفضل من حالة الشغور والفراغ في هذا المنصب لما يترتّب على ذلك من أخطار. وبما أنّ الحكومة مسؤولة بشكل أساسي عن الموضوع فواجبها أن تبادر ولتتحمّل القوى السياسية والكتل النيابية بعد ذلك مسؤوليتها عن إيجاد الحلّ.

وأمّا فيما خصّ صلاحية الحكومة، وهذا الشق الثاني من الموضوع، فإنّ الدستور كان واضحاً لناحية تصريف الأعمال، خاصة في الأمور والظروف الطارئة والمُلحّة، وهل هناك أكثر إلحاحاً وأهمية من تنظيم وضبط القضايا التي تساعد على ضبط الواقع المالي في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد؟! وعلى هذا الأساس فإنّ قيام الحكومة باتخاذ قرار يخصّ هذه المسألة من القضايا الاضطرارية التي أباح الجميع انعقاد الحكومة لأجلها (جلسات الضرورة).

وأمّا فيما خصّ الشغور الرئاسي فإنّ ذلك ليس له علاقة بهذا الجانب من موضوع الحاكم المركزي، فصلاحيات رئيس الجمهورية تنتقل إلى الحكومة مجتمعة وليس إلى رئيسها، وبالتالي فإنّ الحكومة التي تتمثّل فيها كل المكوّنات هي صاحبة القرار أو الحق باتخاذ ما يلزم في ظلّ شغور موقع الرئاسة الأولى، وعليه فإنّ الحكومة صاحبة حقّ وصلاحية في هذا الموضوع، وعليها أن تبادر إلى ممارسة حقّها ودورها لإيجاد حلّ لهذه الأزمة الإضافية فاللبناني يكفيه ما يعانيه، ولتضع بعد ذلك الأطراف والقوى السياسية والكتل النيابية أمام مسؤوليتها حيال هذا الواقع.

أمّا أن تبقى الأمور متروكة من دون محاولات أو اقتراح حلول فإنّ المسؤولية ستقع عند ذلك ابتدءاً على الحكومة، ومن ثمّ بعد ذلك على القوى السياسية، ومن يتحمّل نتائجها هو الشعب اللبناني بشكل أساسي. إنّ الحكومة اليوم صاحبة صلاحية وعليها أن تبادر لدراسة الموضوع واتخاذ ما يلزم من قرار لأنّ أيّة نتيجة ستصدر بعد ذلك ستكون بكلّ تأكيد أقلّ كلفة من شغور المنصب والدخول في متاهات جديدة لا نعرف حجم تأثيرها ولا إلى أين يمكن أن تقود البلد!.