د. وائل نجم
أعلن
قبل أيام وزراء خارجية الدول العربية إعادة سوريا إلى الجامعة العربية لتشغل مقعدها
بعد غياب دام لقرابة اثني عشر عاماً. بالطبع إنّ مجرد الإعلان شكّل صدمة كبيرة لقطاع
واسع من الشعب السوري، خاصة ملايين اللاجئين في أصقاع الأرض في تركيا ولبنان والأردن
وأوروبا وغيرها؛ هؤلاء صُدموا لأنّ "الثورة" التي خرجوا بها من أجل الإصلاحات
أو لاحقاً لإسقاط النظام وتغييره لم تحقّق لهم طموحهم، بل أكثر من ذلك رأوا أنّ قرار
وزراء الخارجية قفز فوق الدم السوري وتخطّى الارتكابات الخطيرة وكأنّ شيئاً لم يكن،
وكأنّ أمراً لم يحصل كما لو أنّ عجلة الزمن عادت إلى ما قبل العام 2011 أو كما لو أنّها
توقفت هناك لاثنتي عشرة سنة ومن ثمّ استأنفت رحلتها من جديد.
قراءة
قرار وزراء الخارجية العرب الذي أعاد سوريا إلى الجامعة يحمل في طياته الكثير والعديد
من النقاط الغامضة. أو التي تحتاج إلى تفسير واحد وليس إلى تفسير خاص من كل طرف، لأنّ
ذلك سيكون كفيلاً بنسف القرار وإعادة عقارب الزمن إلى الوراء.
لقد
تضمّن القرار بنداً تحدث عن الخطوات المتقابلة، بمعنى آخر خطوة من الجامعة في مقابل
خطوة من النظام السوري وهكذا؛ غير أنّ القرار لم يحمل جدولاً زمنياً واضحاً ولا حتى
خطوات واضحة يجب أن يقوم بها كل طرف. ومجرد ذلك يعني أنّ الأطرف ستكون غداً أمام مفاوضات
جديدة للاتفاق على شكل وماهية هذه الخطوات مع ما يعنيه ذلك من إضاعة للوقت وتالياً
تكريس المزيد من الأمر الواقع في سوريا وحولها.
كما
تضمّن القرار التزاماً بالقرارات الأممية الصادرة عن الأمم المتحدة وأبرزها القرار
2254 الذي ينصّ على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات؛ والسؤال الجوهري، هل
سيقبل النظام بتشكيل هذه الهيئة بعد أن اعتبر نفسه منتصراً في الحرب التي شنّها وهو
الذي لم يقبل بها في أكثر الأوقات ضعفاً وحاجة إلى تقديم التنازلات؟! إنّ مجرد تضمين
قرار العودة مثل هذه البند يعني نسفاً له من أساسه لأنّ النظام لن يكون في وارد تسليم
السلطة بعد أن وجد نفسه منتصراً في الحرب.
المسألة
الثالثة التي تضمنها القرار تتمثّل في مكافحة المخدرات ومنع تهريبها إلى الدول الأخرى،
وهنا جاءت الصيغة مبهمة حيث لم تتحدث عن التزام سوري قطعي وصريح بوقف عمليات التهريب
والتصنيع ومكافحتها، بل اكتفت بالموافقة على ذلك.
أمّا
في موضوع اللاجئين فقد قبل النظام عودة اللاجئين السوريين لكنه رفض تقديم ضمانات لهم
أو سلامتهم واعتبر أنّ الشعب الآخر المحسوب عليه والمساند له والمكلوم من الحرب قد
يقوم بأعمال من خارج إرادة النظام، تكون كفيلة بإفشال عودة اللاجئين، وهذا طبعاً يكون
بالعادة في سياق تنسيق مسبق غير معلن.
على
هذا الأساس فإنّ القرار هو في الحقيقة تقطيعٌ للوقت بالنسبة للأطراف بانتظار ما ستتمخّض
عنه حروب المنطقة وصراعاتها؛ أو هو ذرّ للرماد بعيون السوريين لإبراء ذمة العرب لناحية
الحديث عن شروط إعادة النظام إلى الجامعة حتى لا تطاردهم لعنة التخلّي عن دماء السوريين؛
أو هو مقدمة لأيام ساخنة مقبلة في سوريا تعيد لخلط الأوراق من جديد، وقد تابعنا أولى
بوادر ذلك في العملية العسكرية والغارات التي شنّها الطيران الأردني لأول مرّة على
معامل لإنتاج المخدرات في جنوب سوريا والتي قد تشكّل مقدمة لإجراءات أو أنشطة من أنواع
مختلفة تربك المشهد برّمته من جديد على الرغم من مشهد التسويات والمصالحات الذي يجتاح
المنطقة.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".