عن الانتخابات التركية
أيار 18, 2023

محمد أحمد بنّيس

لم ينجح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تأمين ما يكفي من الأصوات لحسم فوزه في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التي جرت الأحد الماضي، على الرغم من حصوله على 49,5 %، متقدّماً على منافسه كمال كلجدار أوغلو، مرشّح حزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي حصل على 44,9 %.

تستدعي هذه الانتخابات ملاحظات ينبغي التوقف عندها، خصوصاً بالنسبة لنا في المنطقة العربية، التي تبقى فيها الديمقراطية حلماً يستعصي على التحقّق، لأسبابٍ يطول الخوض فيها. ولعلّ أول ما يسترعي الانتباه في هذه الانتخابات نسبة المشاركة التي ناهزت 89 %؛ نسبة تُعدُّ مرتفعة في ظل العزوف الانتخابي الذي يسجّل في عدد من عمليات الاقتراع في العالم، ما يعكس ثقة الأتراك في نظامهم السياسي وتطلعهم إلى الارتقاء به إلى مصافّ الديمقراطيات الراسخة، هذا في وقت يشهد الإقليم صعوداً لافتاً للسلطويات بعد انكفاء ثورات الربيع العربي وفشلها في التحوّل نحو الديمقراطية. وتؤكّد هذه النسبة أهمية الطبقة الوسطى الحضرية في عملية التدافع السياسي والاجتماعي الذي تشهدها تركيا منذ أكثر من ثلاثة عقود، بالتوازي مع صعود حزب العدالة والتنمية الذي يمثل الإسلام السياسي الديمقراطي.

ليست هذه الطبقة كتلة متجانسة بسبب تباين مرجعياتها الفكرية والسياسية، بيد أنها نجحت في أن تتحوّل إلى حاضنة مجتمعية للمصالحة بين الإرث السلطوي الكمالي المتجذّر في مؤسّسات الدولة التركية، والإسلام الديمقراطي المعتدل من دون تكاليف كبيرة. وهو ما يفسح المجال أمام توسيع دائرة التوافق بين النخب التركية، على اختلاف مرجعيّاتها الفكرية والأيديولوجية، على قواعد اللعبة السياسية. لقد كرّست الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تركيا حزبَ العدالة والتنمية رقماً صعباً في المشهد السياسي، بالتوازي مع نجاح حزب الشعب (العلماني) في التأكيد على استمرارية الإرث الكمالي في السياسة التركية، وحصولِ المرشّح القومي، سنان أوغان، على أكثر من 5 % من الأصوات المعبّر عنها. يفتح هذا التوافق المجال أمام إعادة بناء الوطنية التركية بشكلٍ متوازن، ضمن أفقٍ يستدعي التحدّيات الجيوسياسية التي تواجهها تركيا في شرق المتوسط.

لم تُثْن الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدل البطالة وانخفاض قيمة الليرة والتضخمُّ المتسارع ومخلفاتُ الزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير/ شباط المنصرم، لم يُثن ذلك كله شرائحَ واسعة من هذه الطبقة عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع والتصويت بكثافة، في سلوك سياسي يستدعي مساءلة ما ترسّخ من بديهيات على صعيد السوسيولوجيـا الانتخابية. ولا شك أن عدم أخذِ قطاع كبير من الناخبين الأتراك بالعامليْن الاقتصادي والاجتماعي في منح أصواتهم لأردوغان يكذّب ما ذهبت إليه استطلاعات رأيٍ كانت تمنح الفوز لمنافسه كمال أوغلو، استناداً إلى هذين العامليْن اللذيْن أثرا على الأوضاع المعيشية في تركيا.

من ناحية أخرى، لم يقتصر الاهتمام بالانتخابات التركية على صانعي القرار في العواصم الإقليمية والعالمية الكبرى، بل كان واضحاً انشغال طيفٍ عريضٍ من الرأي العام والمثقفين وجماعات الضغط ومراكز البحث والتفكير بها. وهو ما يكرّس، بقدرٍ أو بآخر، تركيا فاعلاً في التجاذبات الجيوسياسية وشبكات الصراع على القوة والنفوذ في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشرق المتوسط. ولا شك أنّ إخفاق أوغلو في هزم أردوغان يشكّل خيبة أمل كبرى بالنسبة للغرب الذي كان يراهن عليه لطيّ صفحة أردوغان وتدشين صفحة أخرى في العلاقات مع تركيا، بالنظر إلى التباين الكبير الذي وسم رؤية الطرفين لعدد من الملفّات خلال السنوات المنصرمة. ويزداد الأمر حساسيةً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فوجود مصالح مشتركة بين الطرفين لم يحُلْ دون أن تشهد العلاقات بينهما أزماتٍ متواترة، ربما يكون جديدُها ما قد ينجُم عن دعوة الاتحاد الأوروبي تركيا لمعالجة ''أوجه القصور'' التي شابت انتخابات الأحد الماضي التي لم يفز بها مرشّح المعارضة كمال أوغلو.

المصدر: العربي الجديد.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".