وائل نجم – كاتب وباحث
أيام قليلة ومعدودة تفصل لبنان عن الموعد الأخير الممكن لاستدراك أزمة
قانون الانتخابات النيابية، وتالياً إنقاذ هذا الاستحقاق قبل الدخول في المجهول الذي
بات يقلق ويخيف أكثر من طرف في البلد.
المجلس النيابي الحالي الذي مدّد لنفسه في عام 2013 تنتهي ولايته الممددة
في العشرين من شهر حزيران المقبل. والقوى السياسية ترفض إجراء الانتخابات وفقاً للقانون
النافذ المعروف بـ«قانون الستين». ورئيس الجمهورية، ميشال عون، رفض توقيع مرسوم دعوة
الهيئات الناخبة، وبالتالي فلا إمكانية لإجراء الانتخابات وفقاً لهذا القانون في الفترة
الباقية، والشيء الوحيد الممكن في هذه الفترة الباقية من عمر المجلس النيابي هو الاتفاق
على قانون انتخاب جديد، وإقراره في الهيئة العامة للمجلس، ومن ثمّ إصداره في الجريدة
الرسمية حتى يصبح نافذاً، ولكن دون ذلك عقبات في السياسة. عقبات تتمثل بمصالح كل طرف
من الأطراف. إذا إنّ كل طرف يريد الفوز لنفسه من خلال تطويع هذا القانون المنتظر لمصلحته.
وكلّما مرّ يوم، بات هامش المناورة أمام الجميع أضيق، وبالتالي الخيارات أقل، ولكن
ذلك في المقابل يهدد مصير البلد، ويفتح أبوابه على المجهول.
المؤكد الآن أنه لا انتخابات نيابية في الفترة التي تمتد إلى العشرين
من حزيران، أي إلى نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي. ولكن البحث الآن يتركز على إمكانية
استدراك الفراغ من خلال الاتفاق على قانون انتخاب جديد يفتح المجال على إمكانية التمديد
التقني للمجلس النيابي لبضعة أشهر. ولكن دون ذلك أيضاً عقبات وشروط وشروط مضادة. رئيس
الجمهورية ميشال عون يرفض التمديد للمجلس النيابي، ويشدد على ضرورة إنتاج قانون جديد.
ولكن ذلك قد يوصل إلى الفراغ في السلطة التشريعية، مع ما يعنيه ذلك من مخاطر. ورئيس المجلس النيابي، نبيه بري، يرفض
التمديد العادي، ولكنه يرفض ايضاً الفراغ في السلطة التشريعية على اعتبار أنها أمّ
السلطات، وفي النظام البرلماني كل السلطات الاخرى تنبثق منها، إما من خلال انتخابها
كرئاسة الجمهورية، وإما من خلال منحها الثقة كالحكومة، وعليه فإنه يعتبر الفراغ في
السلطة التشريعية بمثابة انهيار بقية السلطات وبالتالي البلد. ولذلك يدعو بري إلى الاتفاق
على قانون انتخاب جديد، أو على الأقل على مبادئ عامة لقانون انتخاب جديد، والتمديد
التقني للمجلس النيابي لبضعة أشهر من أجل التصديق على هذا القانون، حتى لا يقع البلد
في الفراغ. ولكن حتى هذا الطرح هناك من القوى السياسية من يرفضه، ولا يبدي رئيس الجمهورية
ميشال عون حتى اليوم موقفاً واضحاً وفاصلاً من مسألة التمديد التقني في ظل الفشل في
الاتفاق على قانون جديد.
إلا أن الوصول إلى التمديد التقني من دون الاتفاق على قانون انتخاب جديد
قد يجرّ إلى تمديد ثانٍ وثالث ورابع ولسنوات بدل الشهور، وعلى قاعدة الضرورة، وعدم
الدخول في الفراغ، أو عدم انهيار البلد، وبالتالي فإن ذلك يجرّ المزيد من الازمات،
وتالياً قد نكون بحاجة إلى حوار معمّق هو عبارة عن «مؤتمر تأسيسي» يعيد إنتاج النظام
السياسي لحساب فئة على بقية الفئات، من ضمن تحقيق الطموحات التي يعمل وفقها البعض في
لبنان، خاصة أن هذا البعض لا يخفي نياته بخصوص إعادة النظر بهذا النظام الذي يعتبره
قد فشل في إرساء نوع من الاستقرار السياسي، والحقيقة أن المسؤول الأول والأخير عن عدم
هذا الاستقرار السياسي ليس النظام بقدر ما هو سياسة الهيمنة التي يمارسها البعض بفعل
فائض القوة التي أتيحت له.
ولكن في المقابل فإن عدم الاتفاق على الحد الأدنى من المبادئ على قانون
انتخاب، سيبقي الأمور على حالتها، وبالتالي فإن الفراغ في السلطة التشريعية سيكون هو
المصير الذي نسير إليه، وبالتالي إن الخروج من هذه الإشكالية سيكون أيضاً عبر حوار
يكون في عمقه «مؤتمراً تأسيسياً» يعيد إنتاج النظام، إلا أن الخطورة في هذا الطرح أنه
قد يفتح البلد بسرعة على المجهول وعلى الحرب الأهلية، خاصة إذا تذكّرنا أن كل الجبهات
المشتعلة من حولنا أساسها الصراع على النفوذ والتمثيل والدور في إدارة البلدان، وبمعنى
آخر هو الصراع على التحكم بمقاليد البلد، في حين أن السبيل الأول قد يفضي إلى النتيجة
ذاتها ولكن بتأخير اندلاع شرارة أية مواجهة.
الفترة الباقية من عمر المجلس النيابي يجب أن تشكل الفرصة التي تنهي هذه
الاشكالية من خلال قيام الحكومة بدورها عبر الاتفاق على قانون انتخاب، واقتناع القوى
السياسية في لبنان بالشراكة الحقيقية التي تضع حدّاً للطموحات، فالتجارب أثبتت أن هذا
البلد لا يمكن أن يخضع لهيمنة فئة على غيرها من المكوّنات.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن
"آفاق نيوز".