عن الدعوة إلى الحوار لإنجاز الاستحقاق الرئاسي
أيلول 07, 2023

د. وائل نجم

العنوان الأساسي والرئيسي الذي استحوذ على اهتمام الوسط السياسي الأسبوع الماضي هو دعوة رئيس مجلس النوّاب، نبيه برّي، الكتل النيابية وممثّليها إلى حوار داخل أروقة المجلس النيابي لمدة سبعة أيام كحدّ أقصى، ومن ثم عقد جلسات متتالية للمجلس النيابي حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، بمعنى آخر ربما، حتى الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

في المبدأ، وفي الأصل أنّ أغلب إن لم نقل كلّ الكتل النيابية والقوى السياسية أعلنت مراراً وتكراراً أنّها ليست ضد الحوار، ولكنّ كلّ واحدة منها كانت تراه من منظورها الخاص، ووفق شروطها الخاصة، ولذلك سارع بعضها إلى رفض الدعوة وإعلان عدم المشاركة، بل حتى التشكيك بخلفياتها.

في المبدأ، وفي الأصل أيضاً أنّ العنوان الذي من المفترض أن ينعقد الحوار عليه هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي الأصل أنّ هذا العنوان لا يحتاج إلى حوار طالما أنّ الدستور أوضح الآليات الدستورية لإنجاز عملية الانتخاب، فما الداعي وما الحاجة إلى حوار في مثل هذا الوضع إلاّ إذا خرج البعض وخالف ما أعلنه الدستور وأوضحه لهذه الناحية!

هذان الأصلان والمواقف سواء من الحوار أو من رفضه يكشفان حجم الهوّة وعدم الثقة التي باتت تحكم علاقات القوى الحاكمة أو السلطة السياسية بجناحيها الحاكم والمعارض، وبالمناسبة لم نعد نعرف من هو الحاكم ومن هو المعارض.

فدعوة الرئيس نبيه برّي إلى الحوار في المجلس النيابي وحصر الحوار فقط بانتخاب الرئيس فيه رسالة طمأنة للخائفين من أن يتحوّل الحوار إلى شكل من أشكال الانقلاب على الدستور ووثيقة الوفاق الوطني. ورسم صقف للحوار لمدة أسبوع أيضاً فيه طمأنة إلى الجميع أنّه غير مفتوح وبلا حدود. ولكنّ السؤال: ماذا سيبحث الحوار؟ هل الأسماء؟ أم المواصفات؟ أم سيبحث الاثنين معا؟ أم ماذا؟ هذا يحتاج إلى توضيح ربما سيجعل مواقف الرافضين تلين وتشارك. ثمّ هناك سؤال آخر، ماذا لو فشل الحوار في الدقيقة الأخيرة من اليوم السابع، ما هي الخطوة التالية؟ هي سيكون مضموناً فتح المجلس النيابي وعدم تعطيله بالانسحاب منه وصولاً إلى انتخاب رئيس أيّاً تكن النتيجة؟ هنا توجد نقطة غير واضحة وفيها بعض الإلتباس. فالدعوة إلى الحوار تضمّنت الحديث عن عقد جلسات متتالية حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. لم تتحدّث الدعوة عن دورات متتالية، بل جلسات متتالية، وهنا النص يحمل أكثر من تفسير، فالحديث عن جلسات قد يعيد النوّاب ونحن معهم إلى قضية نصاب 86 نائباً لعقد الجلسة، ونكون بذلك قد عدنا إلى المربع الأول.

قد يجد رافضو الحوار في هذه النقطة تحديداً مسوّغاً لرفض الحوار، لأنّهم سيعتبرون الحوار مضيعة للوقت طالما أنّنا سنعود إلى المشهد نفسه عندما يفشل أي مرشح بالحصول على 86 صوتاً في الدورة الأولى، فيطير نصاب الدورة الأخرى التي تليها، وهكذا يتمّ تفريغ مسألة الجلسات المتتالية من مضمونها وينتهي الحوار إلى لا شيء.

هل من الممكن تعديل صيغة الدعوة إلى ما يضمن الخروج بنتيجة إيجابية لناحية إنجاز الانتخاب دون معرفة الرئيس مسبقاً؟! طبعاً هذا ممكن إذا توفّرت إرادة حقيقية للجميع لوضع بداية للخروج من الأزمة ومن هذه الدوّامة. أمّا إذا ظلّ كلّ فريق متمسكاً بموقفه من الاستحقاق فإنّ ذلك لن يفتح الباب أمام الحلول، بل على العكس تماماً سيشرّع الباب أمام المزيد من التدخلات الخارجية التي تستخدم لبنان ساحة لتصفية حساباتها أو إيصال رسائلها دونما أدنى اعتبار للمصلحة اللبنانية الوطنية سوى في الخطابات والإعلام.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".