عن انتخابات الرئاسة ومبادرة الحوار المزمع حولها
تموز 05, 2023

د. وائل نجم

قبل أيام من عيد الأضحى المبارك زار موفد الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان بيروت مستطلعاً الأجواء حول ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وجاءت جولة الاستطلاع هذه بعد فشل المجلس النيابي بانتخاب رئيس في جلسته التي عقدها في الرابع عشر من شهر حزيران الماضي.

الكثير تكهّن أنّ الموفد الفرنسي جاء حاملاً لبعض الأسماء الجديدة التي يمكن أن تكون مقبولة من كلّ الأطراف لترشيح أحدها إلى رئاسة الجمهورية، وهذا الأمر كان بالنسبة لأصحابه الذين أطلقوه وتحدّثوا به كان يعني أنّ الفرنسيين سحبوا تأييدهم لترشيح سليمان فرنجية للرئاسة؛ غير أنّ الجولة كشفت أنّ الموفد الفرنسي لم يأتِ حاملاً لأيّ اسم إنّما جاء مستمعاً ومستطلعاً لمعرفة رأي اللبنانيين وكأنّه يستمع إليهم لأول مرّة، أو كما لو أنّ فرنسا لا تعرف توجهات القوى التي تؤثّر داخلياً بالاستحقاق الرئاسي.

غير أنّ الأهم بل الأخطر من أن يأتي حاملاً لإسم معيّن لرئاسة الجمهورية على اعتبار أنّه قد يكون وسطياً ومقبولاً من الجميع، هو الحديث همساً عن مبادرة حوار وطني شامل تفكّر بها فرنسا تكون أكبر من تسوية الدوحة وأقل من اتفاق الطائف، أو لعلّ ذلك العنوان التي ستبدأ منه مبادرة الحوار من دون معرفة النهاية التي ستسقر عليها أو تصل لها سواء كان عبر إطاحة النظام والدستور الحالي المستند إلى الطائف والذي يرسي نوعاً من التوازن المقبول بين المكوّنات السياسية وغير السياسية التي يتشكّل منها البلد، والتي تمنع بدورها الاستئثار به لصالح أي طرف أو فريق من الأطراف، لصالح صيغة تكون فيها الغلبة لطرف على حساب طرف آخر، وهو بدوره ما يولّد مشاريع صراع جديدة قد تكون أصعب وأعقد وأكثر حدّة وشدّة وعمقاً من الصراعات السياسية الحالية. أو ربما تطيح الصيغة المنتظرة بالكيان اللبناني برمته لأنّ أيّ طرف سيشعر بأنّ المخرج سيكون على حسابه لن يكون متسعداً لدفع الثمن، بل ربما يذهب بالأمور إلى المواجهة المفتوحة وهو بالمناسبة سيكون بمثابة استدراج لحروب جديدة نحن بالغنى عنها.

على هذا الأساس فإنّ أيّ مبادرة للحوار الشامل التي تستهدف تغيير أو تعديل بنية النظام السياسي والدستور الحالي في ظلّ هذه الظروف القائمة هي بمثابة وصفة صراع جديدة قد تفتح الأمور في البلد على ما هو أعقد وليس كما يظنّ بعض الرعاة على أنّه أفضل لبنان، إلاّ إذا كان هذا البعض يعمل من أجل تأمين مصالح خاصة لحسابه في علاقاته مع بعض القوى الإقليمية أو حتى المحلية من دون نظر أو اعتبار لمصالح اللبنانيين حتى لو كان ذلك على حساب بعض المكوّنات التي كانت تنظر إلى أولئك الرعاة على أنّهم العمق الطبيعي لهم، وهنا نتحدث بشكل صريح عن المحاولات الفرنسية التي تتحرّك تحت عنوان مساعدة لبنان للخروج من الأزمة في حين أنّ الحراك في جوهره هو من أجل تأمين مصالحها، خاصة على المستوى الاقتصادي والاستثمارات، وقد أبدت قوى مسيحية رئيسية وأساسية تحفّظات كثيرة على تلك المحالاوت لأنّها لمست حجم الاستعداد الفرنسي للتضحية بأيّ شيء في لبنان من أجل الحصول على المكاسب التي تصبّ في مصلحتها من دون النظر لأيّ اعتبار له علاقة بمستقبل المكوّنات اللبنانية على تنوّعها بمن فيهم المسيحيون.

لقد حاولت سويسرا قبل بضعة أشهر الدعوة إلى هذا الحوار من خلال محاولاتها تنظيم عشاء في السفارة لعدد من ممثلي القوى اللبنانية ومن ثم كانت تنوي وتعتزم نقل هذا الحوار إلى جنيف، وهناك يمكن النظر بكل ما يتصل بالموضوع اللبناني وصولاً ربما إلى تغيير الصيغة أو إنهاء الكيان أو أي نتيجة أخرى، وقد جرى رفض تلك الدعوة في حينه من العديد من الأطراف، ثم تنصّلت سويسرا نفسها منها. واليوم يأتي الحديث عن محاولة فرنسية لإعادة تعويم هذه الفكرة من جديد وهو ما سيكون أيضاً محل رفض لأنّها ستكون بمثابة رشوة فرنسية لبعض القوى في مقابل حصولها على مكاسب ولو على حساب لبنان.

إنّ الحوار مطلوب بكلّ تأكّيد، وهو المدخل الطبيعي لحلّ أيّة إشكالية قد تنشأ لأيّ سبب من الأسباب، ولكنّه حوار يجب أن يكون على نقطة محدّدة واضحة، وهي اليوم انتخاب رئيس جديد للجمهورية وليس أيّ شيء آخر. وهو حوار لا يعني إخضاع الطرف الآخر، وإنزاله على رأي معيّن وإلاّ إبقاء البلد في حالة فراغ، إنّما يعني الوصول عبر التفاهم إلى شخصية تكون محل رضا وثقة الجميع وتكون قادرة ومتعاونة مع الجميع للنهوض بالبلد وإعادة تفعيل دور المؤسسات الدستورية ومن ثمّ وضع لبنان على سكّة الحلول العملية لأزماته المتعدّدة.