يقظان التقي
سجّل يوم 6 فبراير/ شباط الحالي 24
ساعة من الخوف وشهادات رعب تتراقص معها كل الأشياء في تركيا وسورية ولبنان، جرّاء الزلزال
الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سورية، وبلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر، وأعقبه
زلزال آخر بقوة 7.5 درجات، ونحو 45 هزّة ارتدادية، شعر بها لبنان، ومناطق في قبرص ومصر
والأردن والعراق، وأخرى شاطئية على المتوسط. جاء تقرير الزلزال التركي بأرقام أولية
لأعداد القتلى والمصابين في تركيا وسورية، ترجح منظمة الصحة العالمية ارتفاع حصيلتها
ثمانية أضعاف، مع انهيار آلاف من الوحدات السكنية، وبانتظار مسح نتائج خسائر اقتصاد
الكوارث. وهو زلزالٌ لم تشهده منطقة الأناضول منذ سنوات، جاء يلح على العمل السريع
على دراسات جيولوجية وبيئية تحظى بالأولوية، موضوعها التفكّر بمستقبل البشرية. يصيب
الموت أكثر الفقراء في تركيا وسورية ولبنان (من زلزال الحرب إلى زلزال الطبيعة، ولجوء
داخل اللجوء. لا ملجأ ولا ملتجأ إلا العواطف الإيمانية). يأتي الزلزال مع أزمة الحرب
الأوكرانية، وارتداداتها الاقتصادية والاجتماعية.
الصور الآتية من دمار المدن في أوكرانيا
مرعبة، لكنها لا تشبه هول الصور في الأبنية المنهارة في تركيا، ومشاعر القلق عند ضحايا
الزلازل واختفاء العائلات في تركيا وسورية، والتسبب بخروج الناس على الطرقات
"المشلّعة"، وتشرّد عشرات الآلاف تحت المطر، في ليالي باردة وحزينة. ناسٌ
لا يستطيعون الحصول على خدمات الرعاية الصحية والغذائية الأساسية. يتحدّث الأمين العام
للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن الاستجابة الفورية. لكن شرط دعم دول المجتمع الدولي!
كأن الازمات تتغذّى بعضها من بعض، لكنها حرب الطبيعة، في يناير/ كانون الثاني 2010،
الذي ضرب فيه زلزال بقوة 7.3 درجات على مقياس ريخيتر هاييتي، مودياً بحياة 220 ألف
شخص، ما يؤكّد أن أوقات المتغيرات تتزايد في العشرية الأخيرة.
تدمّر الزلازل كل الأنظمة الطبيعية،
وتدمّر كل ما يقع على سطح الأرض، وتلتهمه البؤر الزلزالية. الأخطر أنها تؤدّي إلى خيانة
آمال التنمية العالمية، واتساع حلقة اللاجئين البيئيين، ما يطرح السؤال بشأن ما يتبقى
من أهداف الألفية والعدالة المناخية، التي حملت المنظمات غير الحكومية لواءها منذ قمة
كوبنهاغن، لجهة عزلة الدول المتقدّمة عن مساعدة البلدان الناشئة. تأتي هذه المتغيرات
مع نمو عدد السكان، نحو عشرة مليارات نسمة 2050، (عصر البشر الأنثروبوسيني)، بوجه عصر
جيولوجي جديد. قوة بشرية في مواجهة قوة الطبيعة (بول كروتزن). أنظمة فيزياء أرضية مختلفة
على الكوكب، وأشكال أخرى من العنف، الأعاصير، والفيضانات، سخونة الأرض، وارتفاع درجة
الحرارة ما بين اثنتين إلى أربع، الحرائق، ذوبان الكتل الجليدية، ارتفاع مستوى البحار
نحو 60 سم سنوياً حتى عام 2100، ما يتسبّب بمخاطر تصيب 50% من الجغرافيا العالمية حتى
عام 2050، وتستدعي القيام بعمليات إنسانية من دول الأمم المتحدة وهيئاتها، والمنظمات
غير الحكومية.
مع ذلك ترسل الزلازل إشارات خطرة بشأن
مدى فاعلية الاستجابات لمواجهة خسائر بشرية ومادية، ولجهة التباطؤ في دعم الجهود المحلية
وسلطات الدولة. وهذا نموذج الإرباك التركي، وضعف نوعية عمليات الإغاثة في محافظات حلب،
حماه، إدلب، اللاذقية. نظام دولي لا يعمل في تقرير المساعدة الإنسانية الطارئة مع ضعف
وجود العمل الإنساني. الأكثر ضآلة مع عجز الجهات الحكومية، أو قلة إرادتها، وضعف الجهات
المحلية الأهلية في إنقاذ حيوات الناس تحت الردم، والربط مع إعادة البناء في الوسط
الحضري، أو الأطراف. اتساع الرقعة الجغرافية للكوارث، في حالات هايتي، السودان، باكستان،
بنغلادش، الكونغو، وتركيا، يعني مقاربات مختلفة لمسألة اللجوء، وتقرير القانون الإنساني
الدولي، والحقوق الإنسانية. ثمّة حاجة لدمج خطر المناخ والطبيعة ضمن الأبعاد الإنسانية،
والسياسية، والأمنية، في العلاقات الدولية. أصبحت إقامة الصلة بين القضايا المختلفة
وثيقة الترابط، إذا كان الهدف إنقاذ الكوكب الأرضي في زمن العولمة.
قد يتطلّب الأمر مزيداً من وحدات الأبحاث
الجيولوجية وطرائقها الفكرية، على غرار تمركز كبرى مراكز الأبحاث العالمية في أزمة
كورونا، ونزع الشكّ من مسؤولية الإنسان عن التغيرات، والاستسلام لفكرة الأسباب غير
البشرية (كلود أليغر وفينسان كورتيللو). تستدعي مضاعفة الكوارث تطبيق اتفاقية الأمم
المتحدة الإطارية بشأن تغيير المناخ، على نحو صارم، وإلا فسيكون العالم الإنساني أمام
فضيحة من نوع آخر. عدم الإقرار بالطبيعي والمناخي، وعدم الاعتراف بتعزيز حقوق الطبيعة
مع توقعات فلكية تُنذر بالأسوأ. العالم أمام انكشاف مباغت لمحدودياته في المواجهة،
وعجز موصوف في معالجة ملفات الأضرار الاجتماعية والإنسانية، سيما بمسألة النازحين،
أكانوا ضمن حدود دولهم، أو خارجها، فإنهم يعدّون لاجئين وبالملايين على أرض مسطحة،
من نوع جديد لم تلحظه اتفاقية جنيف 1951. لاجئون عرضة لكلّ شيء يدمّر مشاريعهم وأحلامهم،
ولا يدركون بعد ذلك وجهتهم الأساسية. لم يعد نظام الأرض يتناسب، في سياق النمو الديموغرافي
والحساسية السياسية المفرطة. مدن كثيرة مهدّدة بالغرق، أو انهيارات شاملة، أو من الحرائق.
يُحصى في مدينة طرابلس شمال لبنان أكثر
من خمسة آلاف وحدة سكنية مهدّدة بالسقوط، وفي بيئات إنسانية متزعزعة، يقفز ساكنوها
إلى الشوارع والعراء، على وقع كل هزّة أرضية. هم أصلاً فقراء، يعانون من شحّ الموارد
الغذائية، والأكثر تضرّراً من الأزمة اللبنانية المالية، محاصرون برّاً، أو في قوارب
الموت البحرية. الأكثر تضرّراً في الكوارث البيئة هم أفقر الناس، وأقلهم مساهمة في
التلوث. تزايدت وتائر التغيرات الفيزيائية في العقدين الأخيرين، الأكثر حرارة منذ عام
1880 (مجلة ناتشور جيو ساينس). يعزّز ذلك تقرير الخبراء الحكومي الدولي عن آثار تلك
السلبية على كوكب الأرض، والسرعة التي تحصل بها، وسط جدالاتٍ عن تراصف الطبقات، وتعديلات
في الروزنامة الزلزالية التي تضرب كل ثلاثمائة سنة. ما يعني تعرّض الملايين من السكان
في أفريقيا وآسيا، وعلى الخطوط المدارية لمخاطر هائلة. تعادل كلفة عدم التحرّك الاستباقي
5% من إجمالي الناتج الداخلي العالمي السنوي، ومن دون اتخاذ إجراءات مواجهة سريعة،
تكون التداعيات شبيهة بآثار الحربين العالميتين وبأزمة عام 1929. لذلك من الضروري التحرّك
بفاعلية أكبر، وقدرة على القيام بعمل الجماعة الإنسانية الواحدة، لتهدئة اللاعب الطبيعي
المتغير.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن
رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".