د. وائل نجم
العدوان الصهيوني على قطاع
غزة المستمر والمتواصل والذي دخل الأسبوع الثاني من الشهر الثالث، وحجم المجازر
الصهيونية في القطاع بحق المدنيين الفلسطينيين من نساء وأطفال ومدنيين، استنفر
بشكل منقطع النظير العالم كلّه واستفز الأحرار وكلّ صاحب ضمير حيّ خاصة وأنّ
المجازر باتت يومية وتزهق أرواح الأطفال والمدنيين بالمئات، فبادر بعض الناشطين
لإطلاق دعوة للتعبير عن التضامن الكامل مع الشعب الفلسطيني، والرفض الكامل أيضاً
للهمجية الصهيونية المتغطرسة من خلال الإضراب العام والشامل على مستوى العالم
كلّه، وهي سابقة لم تحصل من قبل، وقد لاقت الدعوة إلى هذا الإضراب تجاوباً
وتفاعلاً كبيراً وواسعاً على منصات التواصل الاجتماعي وفي العالم كلّه وانخرط
ناشطون في مختلف دول العالم وحمل الدعوة وراح يعمل على تعميمها، وبالفعل تجاوب
العالم معها وانخرطت معظم المجتمعات في العالم بهذا الإضراب وأعلنت التضامن مع
الشعب الفلسطيني.
في لبنان وهو المجاور للأحداث
في فلسطين، وهو الذي انخرط في المواجهة الفعلية من خلال الجبهة الجنوبية حيث تدور
مواجهات يومية بين فصائل المقاومة من ناحية وقوات الاحتلال من ناحية أخرى. لبنان
هذا أعلنت القوى الحيّة فيه، وكذلك الحكومة والوزارات والمؤسسات العامة والكثير من
المؤسسات الخاصة الإضراب كحالة تعبير واضحة عن دعم الشعب الفلسطيني ورفض العدوان
الصهيوني على غزة. وبالفعل أقفلت المؤسسات الحكومية والخاصة، والمصارف، والمدارس
والجامعات، وغيرها من المؤسسات.
غير أنّ بعض الأصوات
اللبنانية أبت إلاّ أن تعلن عن مخالفتها وخروجها عن السياق الوطني الذي يُجمع
تقريباً على دعم الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانبه، وإن كان البعض يعلن صراحة عن
رفضه في مقابل ذلك جرّ لبنان لمواجهة مع كيان الاحتلال. لقد خرج البعض في لبنان عن
هذا السياق الوطني، بل خرج حتى عن المعاني الإنسانية عندما رفض حتى مجرد الإضراب
وإعلان التضامن مع الشعب الفلسطيني في مواجهة آلة القتل الصهيونية وفي مواجهة
المجازر والإبادة.
غريب عجيب أمر هذا البعض الذي
كاد أن يتجرّد من المعاني الإنسانية من معرفة وفهم الأسباب التي دعته إلى ذلك،
دعته إلى رفض حتى الإضراب والتضامن؟!! في حين أنّ أصحاب الضمير والشعور الإنساني
في أصقاع الأرض المترامية أعلنوا التزامهم الإضراب والانخراط فيه، وهم بالكاد
يسمعون بالجريمة الصهيونية، في وقت نعيش في لبنان التهديدات الإسرائيلية اليومية
بسبب أو بغير سبب!!!
لقد كان مسيئاً إلى هؤلاء هذا
الموقف بل ربما مسيئاً حتى إلى لبنان على الرغم من شبه الإجماع اللبناني على دعم
الموقف الفلسطيني. ثمّ ألا يعلم هؤلاء أنّ لبنان في قلب الأطماع الإسرائيلية
الصهيونية؟! ألا يعلم هؤلاء أنّ لبنان موضوع على قائمة الأهداف الإسرائيلية فيما
لو تمكّن من تحقيق أهدافه في قطاع غزة؟! ألا يعلم هؤلاء أنّ أطماع
"إسرائيل" في أرض وسماء وبحر وثروة لبنان كبيرة ؟! ألا يعلمون أنّهم
ينظرون إلى اللبنانيين جميعاً دون استنثاء ودون تمييز بين مواطن ومواطن آخر، بين
أبناء هذه المنطقة أو تلك، أو بين أبناء هذه الشريحة أو تلك، ينظرون إلى الجميع
على أنّهم حيوانات بشرية كما قال يوماً وزير حرب كيان الاحتلال عن أهالي غزة؟!
وردّدها خلفه بعض القيادات الإسرائيلية الأخرى؟!
القضية هي قضية ضمير وقضية
إنسانية بشكل أساسي. ربما من حقّ أيّ شخص أو جهة أن يكون لها رؤية ورأي سياسي،
ولكن ذلك لا ينبغي أن يجرّدها من المعاني الإنسانية التي باتت محل إجماع عالمي،
فقد رأينا في الجميعة العامة للأمم المتحدة كيف أنّ 153 دولة طالبت بوقف فوري
لإطلاق النار ووقف المجزرة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، في مقابل 10 دول فقط
رفضت وقف إطلاق النار بينها الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل"
ذاتها. وفي مجلس الأمن طالبت 13 دولة بوقف إطلاق النار الفوري فيما عطّلت الولايات
المتحدة الأمريكية القرار باستخدامها حقّ النقض "الفيتو"، بينما امتنعت
بريطانيا عن التصويت. وهذا بحد ذاته يؤكّد شبه الإجماع العالمي على رفض المجازر
الصهيونية والتضامن مع الشعب الفلسطيني ربما من منطلق إنساني، أو ربما سياسي، فكيف
يمكن لأبناء وطننا أن يرفضوا حتى مجرد التضامن مع الشعب الفلسطيني؟ هل انضمّ هؤلاء
إلى معسكر الدول الموافقة على الإبادة الجماعية؟ أم ترى هي سقطة غير محسوبة سرعان
ما سيخرجون منها ويصحّحون الموقف حتى يكونوا في معسكر الإجماع العالمي على وقف
الإبادة؟!
الآراء الواردة في المقال
تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".