اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي البلدة القديمة
في مدينة نابلس واغتالت إبراهيم النابلسي وإسلام صبوح وحسين طه من كوادر «كتائب شهداء
الأقصى» كما أطلقت الرصاص الحي على جموع من المدنيين فأصابت 40 منهم بجراح مختلفة بعضها
خطير. وفي رام الله وجنين وطولكرم ومدن وبلدات أخرى تابع الاحتلال عمليات الاقتحام
والمداهمة والاعتقال ضمن منهجية تنكيل متعدد الأشكال، تقصد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي
ربطه مباشرة بالعدوان الأخير على قطاع غزة، مؤكداً مواصلة هذا النهج «في أي زمان ومكان».
وليس من باب المفارقة أن الممارسات الفاشية الإسرائيلية
هي التي باتت اليوم تؤكد مبدأ «وحدة الساحات» النضالية الفلسطينية، بغض النظر عن نجاح
أو فشل الفصائل والمنظمات والأحزاب والقوى الفلسطينية المختلفة في تثبيت المبدأ وترقية
أشكاله. فمزاعم الاحتلال لجهة تحييد حركة «حماس» في غزة خلال العدوان الأخير والاقتصار
على استهداف «الجهاد الإسلامي» لم تصمد إلا ساعات قليلة قبل أن تكون حركة «فتح» هي
المستهدفة في نابلس عبر ذراعها العسكري «كتائب شهداء الأقصى» والحال ذاتها تسري على
أي وكل فصيل يرفع رايات المقاومة ويمارس هذا أو ذاك من أنساقها فعلياً على الأرض.
هذا مدخل أول يتوجب أن تضعه في الحسبان القوى الفلسطينية
كافة، وعلى أصعدة كفاحية يتوجب أن تتجاوز أي تباين حول نهج المقاومة الشعبية أو أدواتها،
إذْ ليس كافياً البتة أن يقتصر تضامن رام الله مع غزة على مظاهر الاحتجاج الخجولة،
أو أن يكتفي هذا الفصيل أو ذاك بالترحم على شهداء نابلس وإدانة احتلال هو الأسوأ على
مدار التاريخ، ولا طائل أصلاً من وراء التنديد به وتجريمه. صحيح أن واقع الضفة الغربية
السياسي والشعبي معقد تماماً، خاصة لجهة خيارات السلطة الفلسطينية في مناهضة بعض أشكال
المقاومة والإبقاء على التنسيق الأمني مع الاحتلال، إلا أن خيارات مثل الإضراب والاعتصامات
الواسعة والتظاهرات الحاشدة كفيلة بتفعيل بؤر الحراك الشعبي من جهة، وبالضغط على الاحتلال
عبر استمالة الرأي العام العالمي من جهة ثانية.
والأرجح أن الساسة الإسرائيليين يدركون جيداً حقيقة
كبرى فارقة يتعين أن تُحسن استثمارها القوى الفلسطينية التي تتغنى بمبدأ «وحدة الساحات»
وهي أن أجيال فلسطين التي تقارع الاحتلال اليوم ليست بنت نكبة 1948 أو هزيمة 1967 أو
حرب 1973 أو حتى الانتفاضتَين الأولى والثانية فحسب، بل هي في المقام الأول أجيال شابة
على غرار الشهيد حسين جمال الذي لم يتجاوز 16 عاماً وأدرك جرائم الاحتلال في سنوات
حكم بنيامين نتنياهو، وليس من فارق جوهري في أن يكون انتماؤه إلى المقاومة منحصراً
في «فتح» أو أي من الفصائل الفلسطينية الأخرى.
وأمثاله من الشبان الفلسطينيين في اللد وعكا والناصرة
وأم الفحم والنقب ومناطق أخرى عديدة، يتابعون ربط الساحات على النحو الذي شكّل على
الدوام كابوساً سياسياً وديمغرافياً للمشروع الصهيوني في فلسطين، فلا تتآكل مع سيروراته
خرافة «الخط الأخضر» فقط، بل يهبط وهم «الدولة اليهودية» الصافية إلى درك عنصري لا
يليق به سوى توصيف نظام الأبارتيد.
المصدر: القدس العربي.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".