د. وائل نجم
بعد ظهر يوم الثلاثاء (17/9/2024) ومن دون سابق إنذار
أو تحذير تعرّض آلاف اللبنانيين من منتسبي حزب الله والعاملين في مؤسساته العسكرية
والأمنية والصحيّة والتربوية والاجتماعية وغيرها لغزو غير مسبوق عبر تفجير أجهزة
اتصال تتلقّى رسائل نصيّة، وذلك عبر عملية قرصنة متقنة وفقاً لما شرحه خبراء في هذا المجال، أو ربما عبر عملية أمنية
متقنة من خلال زرع متفجرات دقيقة وصغيرة الحجم داخل هذه الأجهزة قبل أن تصل إلى
الحزب وتوزّع على منتسبيه، وقد أدّت هذه العملية إلى سقوط عدد من الضحايا وجرح
آلاف منهم حيث غصّت بهم مستشفيات لبنان، فضلاً عن نشر حالة من الخوف والهلع بين
اللبنانيين.
الحكومة اللبنانية التي كانت مجتمعة لحظة تنفيذ
الجريمة دانتها ووجّهت الاتهام بشكل مباشر للحكومة الإسرائيلية، وحمّلتها
المسؤولية عنها بشكل مباشر؛ وكذلك فعل حزب الله المعني والمستهدف المباشر بهذه العملية، وتوعّد الحزب الرد والقصاص على
هذه العملية التي وصفها بالجريمة. بينما في المقلب الآخر لم يصدر عن الحكومة
الإسرائيلية أيّ تبنّ رسمي للعملية، بل على العكس صدرت أوامر بعدم الحديث عنها لا
تصريحاً ولا تلميحاً، فمن يقف خلفها؟!
منذ مدّة زمنية ويبحث رئيس الحكومة الإسرائيلية،
بنيامين نتنياهو، عن ذريعة لتوسيع الحرب على لبنان لأنّه يعتبر أنّ ذلك هو حبل
النجاة الوحيد أمامه شخصياً في ضوء فشل حربه على غزة، وعدم قدرته على تحقيق أهداف
الحرب التي رفعها، لا في مسألة استعادة الأسرى، ولا في مسألة القضاء على المقاومة
الفلسطينة، ولا في مسألة تهجير الفلسطينيين من القطاع؛ كما يشارك نتنياهو نيّة
توسيع الحرب على لبنان مجموعة من القادة الإسرائيليين الذين يعتبرون أن وقف الحرب
دون استعادة هيبة وقوّة الردع التي فقدتها إسرائيل في يوم السابع من أكتوبر 2023
ستقوّض قوة إسرائيل أكثر، وستقضي على وجودها في المنطقة، ولذلك يضغط هؤلاء أيضاً
من أجل توسيع الحرب بهدف توريط أكبر عدد من دول المنطقة ومن دول العالم فيها،
سيّما الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف خلط الأوراق وضمان الدول الكبرى لأمن
واستقرار إسرائيل، ولذلك حاول نتتياهو أكثر من مرّة جرّ المنطقة إلى الحرب
الواسعة، مرّة عندما اغتال القيادي البارز في حزب الله فؤاد شكر، ومرّة أخرى عندما
اغتال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنيّة في طهران، ومرّة قبل ذلك عندما قصف
القنصلية الإيرانية في دمشق، غير أنّ كلّ هذه المحاولات لم تفلح في إيقاد شعلة
الحرب على الرغم من أنّها رفعت منسوب التوتر والحدّة في المنطقة إلى أعلى مستوى،
فهل تقع هذه القرصنة ضمن المحاولات المتكررة لنتنياهو لاستجرار الحرب وتوسّعها
لتشمل دولاً أخرى في المنطقة؟!
قبل أيام اتخذ نتنياهو سلسلة قرارات تشي بأنّه يبيّت
نيّة لتوسيع الحرب. فقد عمل على أحدث تغيير في الحكومة الأمنية المصغّرة بحيث خطط
لاستبدال وزير الدفاع الذي يعارض بعض الخطط التي ينوي نتنياهو تنفيذها بعد أن أدخل
إلى الحكومة وزير المالية المعروف بتطرّفه ومواقفه الحادّة. كما أدخل إلى بنود
أهداف الحرب إعادة المستوطنين إلى مستوطنات شمال فلسطين، وهذا البند وحده كفيل
بإشعال فتيل حرب واسعة؛ ولم يستجب لطلب المبعوث الأمريكي الخاص، آموس
هوكستين، الذي نصحه خلال الزيارة الأخيرة
بعدم الذهاب نحو توسيع الحرب لأنّ إسرائيل ستخسر كثيراً في هذه الحالة، ولكن كلّ
ذلك لم يردع نتنياهو عن المضي بما ينوّي القيام به، ولذلك نعم قد تكون عملية
القرصنة أو الخرق الذي استهدف منتسبي حزب الله بتفجير أجهزة اتصال يستخدمونها هي
عملية استجرار للحرب الواسعة التي يريد فيها نتنياهو ذريعة يقدّمها بين يدي
الولايات المتحدة الأمريكية تضمن له الدعم والغطاء الأمريكي.
ولكن في المقلب الآخر، هل سيعطي حزب الله هذه البطاقة
لنتنياهو مع علمه المسبق بنواياه؟ هل سيضطر الحزب للقيام بخطوة غير عادية تمنح
نتنياهو فرصة الذهاب إلى توسيع الحرب؟ خاصة وأنّ حجم الخسارة كبيرة هذه المرّة وقد
تفوق خسارة الحزب لأحد أبراز قادته العسكريين فؤاد شكر!
قد يكون الموقف محرجاً لكلا الطرفين، لكن من الواضح
أنّ اللعبة ربما وصلت إلى منتهاها ولا بدّ لطرف من الطرفين أن يلعب ورقته التي قد
تكون الأخيرة قبل أن يدفع الثمن من دون خوض معركة على الإطلاق.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر
عن "آفاق نيوز".