قمة العشرين: حضور الديون وغياب الرئيسين شي وبوتين
أيلول 07, 2023

د. محمد موسى

على وقع التخبط الدائر في كل الأسواق الدولية ان بفعل اضطرابات السوق المالية العالمية وزلزال وقف اتفاق الحبوب بكل انعكاساته وصولا الى الازمات المفتوحة من المناخ الحاد والمتغير الى حدود الخطر والانهيار الهائل والذي لابد له من حل الى وحش التضخم الذي ينهش جيوب ونوعية حياة البشرية الى ازمة العقارات في الصين ومعها سلسلة الحروب المتواصلة منذ القمم السابقة والتي كانت محل نقاش وجدل حتى على مستوى البيان الختامي وصولا الى الصورة العائلة الختامية للقمة.

تعقد قمة العشرين، القمة في الهند ومن حيث الشكل والمكان ولأول مرة تتحفظ الصين حضورا" وفي ذلك رمزية" كبرى، فالرسائل كثيرة التي وجهتها بكين عبر إعلانها عدم مشاركة الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة العشرين التي ستعقد بعد أيام في الهند. تلك الرسائل شكلت صفعة للهند، والولايات المتحدة وحلفائها، وأكدت التقارب بين موقفي (الصين وروسيا)، اللذين لن يشارك رئيساها في أعمال القمة وللمفارقة هي المرة الأولى التي لن يشارك فيها الرئيس الصيني شخصياً في فعاليات هذه القمة، إذ حرص الرؤساء الصينيون على المشاركة فيها منذ تأسيسها. تساؤلات كثيرة طرحت حول غياب الرئيس الصيني؟ وهل الهند فقط المقصودة ام اميركا علما" ان الرئيسان الصيني ورئيس وزراء الهند التقيا على طاولة واحدة في جنوب افريقيا في قمة بريكس، ثم ما مدى التأثير لهذا الغياب على نجاح المؤتمر؟، وماذا عن مستقبل عمل المجموعة بشكل عام إذا ما استمرت واتسعت التباينات؟ اما غياب الرئيس الروسي يمكن تفهمه من جهة انشغاله بالحرب في أوكرانيا خاصة مع التصعيد الأخير وصولا الى الحديث عن اف-16، والأوضاع الداخلية في روسيا، خاصة وأنه لم يشارك العام الماضي في القمة التي عقدت في إندونيسيا. لكن وسائل الإعلام، وخاصة الغربية منها، حاولت ربط غياب الرئيس الروسي بقرار المحكمة الجنائية الدولية الذي صدر بحقه وقد تكون كل هذه التحليلات ولكن من المؤكد ان موسكو سيكون صوتها عاليا" عبر لافروف وعليه قد نذهب الى بيان ختامي معقد في ظل اختلاط واختلاف وجهات النظر الكثيرة ضمن دول المجموعة.

اما العامل الأساسي الذي يوازي غياب الزعيمين الصيني والروسي فهو موضوع الديون على الكثير من الدول وللتذكير فأكثر من عشرة دول نامية مهددة بالإفلاس، منها ثلاث دول عربية، هي لبنان ومصر وتونس. كما أن هذه الدول عرضة للابتزاز من جانب الدول الكبرى، وأدواتها المتمثلة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ،من هنا المطالبات تزيد بتصحيح أوضاع كلا المؤسستين الدولتين وهذا ما طالب به الرئيس الأميركي مؤخرا"، وعليه نجد لبنان والسلفادور بحجم ديون غير محدد لضعف الشفافية في توارد الأرقام وتونس و الحاجة الى ملياري دولار و مصر بما يفوق 90 مليار و سيرلانكا بقرابة 3 مليارات وغانا بما يقار 10،6 مليار وباكستان بحوالي 25 مليار و كينيا بحوالي 68 مليار دولار اما أوكرانيا فيبد ان الرقم قارب التريليون دولار و الكل يئن و يشكو من ضعف الاستجابة السريعة لمتطلبات الدول النامية والناشئة في زمن التشدد المالي و أسعار الفوائد القاتلة و التضخم الذي يجتاح كل شي وفي ذلك ربما يكون مدخلا" موفقا" لصندوق التنمية في دول البريكس في قادم الأيام.

لا شك ان توسع نطاق القضايا التي ناقشها زعماء مجموعة العشرين في السنوات الأخيرة إلى ما هو أبعد من الاقتصاد، ليشمل قضايا مثل تغير المناخ، والطاقة المستدامة، والإعفاء من الديون الدولية، وفرض الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات هو بالغ الاهمية لكن يبقى الأهم برأي هو ازمة رغيف الفقراء في زمن الجوعى في اسيا و دول الجنوب وموضوع الديون الذي يؤرق مضاجع معظم الدول في زمن القرية الكونية المكشوفة .

هذه القرية الكونية التي غدت ديونها ما يفوق 300 تريليون دولار، وكأني بالعالم يغرق شيئا في زمن اللا عدالة واللا توازن. هذا الكون الغارق بديونه لا بد من إعادة هيكلته وصيغة قانون دولي جديد فيه، حيث تتمكن الدول البائسة من خلاله والجالسة على قارعة الدول الكبرى تتسول وبفوائد عالية ظالمة مرهقة شعوبها، في حين أن الديون تتركز في أمريكا والصين والاتحاد الأوروبي ويكفي التذكير بأن دين اميركا لوحدها 10% من ديون العالم عند عتبة تفوق 32 تريليون وبالكاد تصل ديون كل الدول النامية لرقم لا يتجاوز عتبة 29% من مجمل الديون

من الواضح انه لا يعول الكثير على نتائج القمة ولكنها دائما" بابا" للحوار، لعل اهل الحل والعقد في هذا العالم يصلوا الى ربط نزاع في قضايا جوهرية العالم بحاجة الى حلول جذرية فيها.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن رأي صاحبها.