قمة القارة السمراء مع الاميركان: والصين بالحسبان
كانون الأول 17, 2022

د. محمّد موسى*

القمم المتنقلة في شهري نوفمبر وديسمبر 2022 كانت مفصلية الطابع للأيام القادمة في تبلور العلاقات بين التنين الصيني والعملاق الأميركي حيث البداية لهذه القمم من لقاء الرئيسين الصيني والأميركي والذي افضى الى رسم الخطوط الحمراء بين الدولتين العملاقتين ورغم التصريحات العلنية المتفائلة، تبقى العلاقات بين البلدَين مشوبة بالشكوك بشكل متزايد، إذ تخشى الولايات المتحدة أن تكون الصين قد صعدت جدولها الزمني للسيطرة على تايوان. حيث قال بايدن إنه أكد لنظيره الصيني شي جينبينغ إن أفعال الصين "العدوانية" بشأن تايوان تعرض السلام للخطر.

من جهته، أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ لنظيره الأمريكي أن العالم "كبير بما يكفي" لازدهار بلديهما، لكنه حذر واشنطن من أن بكين تعتبر تايوان "خطا أحمر" يجب عدم تخطيه. وجاء في بيان لوزارة الخارجية الصينية أن "شي" شدد لبايدن خلال محادثات المنعقدة في بالي واستمرت ثلاث ساعات على أنه "في ظل الظروف الراهنة، فإن الصين والولايات المتحدة تتقاسمان الكثير من المصالح المشتركة" مضيفا أن بكين لا تسعى لتحدي الولايات المتحدة أو "تغيير النظام الدولي القائم"، داعيا الجانبين إلى "أن يحترم كل منهما الآخر.

وانطلاقا" من ايماننا ان عهد جديد بالمعنى الاقتصادي السياسي يولد جاءت قمم الصين في الرياض مع السعودية وكل الخليج وكل العرب لتعكس جملة اتفاقات جديدة ، ووقع الجانبان عدداً من الاتفاقيات ومذكّرات التفاهم الثنائية، شملت خطة للمواءمة بين رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية، ومذكّرة تفاهم في مجال الطاقة الهيدروجينية، ومذكّرة تفاهم في مجال تشجيع الاستثمار المباشر وقدرت قيمة الاتفاقيات بنحو 29,3 مليار دولار في عدّة مجالات، في وقت تسعى الصين لتعزيز اقتصادها المتضرر من فيروس كورونا، بينما يسعى السعوديون، حلفاء الولايات المتحدة، لتنويع تحالفاتهم الاقتصادية والسياسية وهذا تحول سعودي بالغ الأهمية.

ان بيت القصيد الصيني هو دخول منطقة جغرافية جديدة يسعى من خلالها لتعزز العلاقات بالمعنى السياسي على مستوى قضايا المنطقة والعالم وربما الرغبة السعودية في جعل الصين أكثر انخراطا" في قضايا المنطقة العربية حيث مشروع الحزام والحرير الذي يرمي الى تحسين الترابط والتعاون على نطاق واسع يمتد عبر القارات، والتحرك للدفع بالتشارك في بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير للقرن الحادي والعشرين وبه الصين ترسم استراتيجيتها السياسية والاقتصادية على حد سواء فكيف ان وفرت لها الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية الطريق؟ وعلى قاعدة ان الأرقام لا تخطئ فقد اعلن مركز التمويل والتنمية الأخضر ومقره شنغهاي، أن ارتباطات الغاز بين الدولتين كانت أعلى مما كانت عليه في العامين الماضيين، وشكلت 56 % من مشاركة الصين في مجال الطاقة خلال 2021 المنصرم، وأن السعودية كانت المتلقي الرئيسي لاستثمارات الغاز بنحو 4.6 مليارات دولار، إضافة الى ذلك يوكد التقرير عن بلوغ قيمة صادرات المملكة إلى الصين خلال الشهر المنصرم 5.1 مليارات دولار، و التي تعدل ما يفوق 13.5 % من إجمالي الصادرات، ما يجعلها الوجهة الرئيسية للسعودية وزاد على ذلك ان الصين باتت الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وتاليا" خطوات متقدمة مع كل الخليج و كل العرب.

وعليه فبالقدر الذي تشهده العلاقات السعودية الصينية من تقدم، تبدو علاقات الرياض مع واشنطن ذاهبة نحو التعقيد، فعلاقة الرياض بالرؤية الأميركية تمهد للصينيين منفذاً رئيسياً إلى منطقتي الخليج والشرق وقارة أفريقيا، وليس هذا فقط، بل ربما والأرجح انه سيتم على حساب مصالح ونفوذ الولايات المتحدة في منطقة واسعة وغنية واستراتيجية. وتاليا" لن تتعامل أميركا مع سحب البساط من تحت قدميها من دون رد فعل يوازي حجم الخسارة التي ستتعرض لها، من هنا جاءت الاطلالة على القارة السمراء حيثاستضافت الولايات المتحدة التي لطالما اتُهمت بإهمال أفريقيا، قمة تضم العشرات من القادة الأفارقة، تهدف إلى استعادة النفوذ في القارة وخصوصا في مواجهة المنافسة الصينية خاصة اذا ما نظرنا في الإحصاءات والأرقام التي تؤكد تقدم الصين بأشواط في القارة السمراء على الصعيد الاقتصادي حيث تبلغ حجم تجارة الصين مع القارة السمراء ما يفوق 158 مليار دولار لغاية 2021 في حين ان ثلث هذه الارقام للولايات المتحدة بحوالي 50 مليار إضافة الى ان تبادل التجاري يشكل علامة فارقة للصين من حيث التنوع المترافق مع ارقام ديون الصين للكثير من الدول الأفريقية و الذي يشكل اداة ضغط على الأفارقة والصين في آن واحد حيث الاقتصاد العالمي الرازح تحت وطاءة التضخم المصحوب بالركود وسياسات التشدد المالي المتزامنة مع أسعار الوقود الاحفوري الاخذة في الصعود على أبواب الشتاء المصحوب مع تسقيف أسعار النفط الروسي.

ليس غريب ابدا" ان افريقيا ستكون ابرز ساحات المواجهة القادمة بين عملاقي الاقتصاد العالمي حيث ثروات لا تعد و لا تحصى فالقارة السمراء تحوي خزان للمياه المتجددة الحاضرة مع الأراضي الزراعية الخصبة في زمن المليار جائع عالميا" وازمات الغذاء المتفاقمة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، كذلك فأن ارض الخير الافريقية تحوي 65 %بالمائة من الأراضي البكر الصالحة للزراعة عالميا"، اما صناعيا" فالقارة السمراء تضم فما يفوق 30% بالمائة من معادن العالم الحساسة في عالم الصناعة و 40 % بالمائة من الذهب العالم و %90بالمائة من الكروم و البلاتين وأرقام كبرى ليس فيها احصائيات نهائية من الكوبالت و الألماس و البلاتين و تشير الأرقام ان اليورانيوم متواجد بكميات لا باس بها و هو المستخدم في الكثير من الصناعات العسكرية الحساسة.

من الواضح ان الكباش العسكري بين الصين وأميركا لن يحضر في القريب العاجل ولكن من المؤكد ان الصراع بالمعنى الاقتصادي والمالي والتوسعي التمددي سيتطور وسيشهد معضلات جمة وما البلدان الخليجية والافريقية الا مضمار لهذه السباقات في العلاقات الدولية لما فيها من ثروات وأسواق هائلة.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز". 
 

*أكاديمي وباحث في الاقتصاد السياسي

[email protected]