وائل نجم
لعلّ معركة طوفان الأقصى من المعارك
القليلة عبر التاريخ التي كُتبت نتيجتها قبل أن تنتهي، فقد سجّل فيها الشعب الفلسطيني
ومقاومته نصراً مبكّراً عندما سدّد ضربة قاصمة في السابع من الشهر الماضي (أكتوبر/
تشرين الأول) لـ "إسرائيل" لا يمكن لكلّ المجازر وحرب التدمير والتهجير والإبادة
الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني أن تمحوها، أو أن تعيد
فيها عقارب الساعة إلى الوراء.
لقد ضربت معركة طوفان الأقصى
"إسرائيل" في أبرز نقطتين وظيفيتين وُجدتا من أجلها. أولاً، وجودها كقاعدة
عسكرية متقدّمة للغرب في المنطقة العربية أو الشرق الأوسط، لضمان التحكّم بالمنطقة
والسيطرة عليها وإخضاعها بالقوة. وقد قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، في زيارته الأراضي
الفلسطينية المحتلة: "لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها". وقد فقدت هذه
القاعدة دورها عندما تمّ تسديد ضربة قويّة للجيش الذي كان يُصوّر أنّه لا يُقهر، وبالتالي
فقد المستوطنون الثقة به، فضلاً عن فقدان القيادة الغربية الثقة به أيضاً.
ثانياً، وجود "إسرائيل" بوصفها
تجمّعاً لليهود يضمن بقاء هذه القاعدة واستمرارها بدورها الوظيفي المذكور آنفاً، وقد
فقد اليهود الأمان الذي كانوا يمنّون النفس به، وباتوا عرضةً يومية للصواريخ و"التهجير"،
وهو ما يعيشه الفلسطينيون. وبالتالي، بدأت حركة نزوح وهجرة عكسية من "إسرائيل"
إلى بقية الدول. ولذلك، رأينا كيف حشدت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى أساطيل لها
في شرق المتوسط دفاعاً عن هذه القاعدة.
لقد شكّل ما حدث يوم 7 أكتوبر حدثاً
استراتيجياً له تأثيراته وتداعياته ونتائجه الاستراتيجية، ولذلك جرى التعامل منذ اليوم
الثاني لمعركة طوفان الأقصى انطلاقاً من ثلاثة مسارات وخيارات في الحرب على غزّة: الأول،
وهو إطلاق يد "إسرائيل" في ضرب قطاع غزّة من دون أي اعتبار للقوانين المعمول
بها في زمن الحرب أو للقيم الإنسانية في محاولة لردّ عقارب الساعة إلى الوراء، واستعادة
هيبة الجيش والثقة بـ "دولة إسرائيل"، فضلاً عن القضاء على المقاومة الفلسطينية
وسحقها بشكل كامل وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة نحو مصر أو أيّ مكان آخر، غير أنّ
هذا المسار لم يُحقّق الأهداف التي رفعها الإسرائيلي وداعموه، وفشل في ذلك بفضل صمود
الشعب الفلسطيني ومقاومته، وبسبب رفضه فكرة الهجرة والتهجير، لكنّ العمل بهذا المسار
ما زال قائماً، وإن تراجعت حظوظه في ضوء الصمود والمقاومة الشرسة التي تُكبّد كلّ يوم
القوات المتوغّلة في القطاع خسائر كثيرة، فضلاً عن أنّ الرأي العام العالمي تحوّل،
بشكل كبير، نحو التعاطف مع الشعب الفلسطيني وراح يضغط لوقف العدوان والجريمة المستمرّة.
المسار الثاني، ويتلخّص بالعمل على
تجويف الانتصار الذي حقّقه الشعب الفلسطيني ومقاومته في 7 أكتوبر، وتفريغه من مضمونه،
بحيث لا يمكن صرفه في السياقات السياسية، فيبقى كما لو أنّه بدون رصيد. وهذا المسار
هو الذي يجري العمل به وعليه حالياً في ضوء الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وارتفاع
ضغوط الرأي العام العالمي الرافض المجازر والمطالب بوقف العدوان. وهدف هذا المسار الوصول
إلى واقع جديد ينسخ فكرة انتصار 7 أكتوبر، والبناء على ذلك، وصولاً إلى بعض الحلول
السياسية المرحلية التي تضمن هدنة مرحلية، ولو لبضع سنواتٍ تتيح للراعي الأميركي مواصلة
العمل على تثبيت مشروعه للمنطقة.
المسار الثالث، وهو مسار الاحتياط الذي
سيتمّ اللجوء إليه، إذا لم يحقّق أي من المسارين، الأول أو الثاني، أي نتيجة، وهو مسار
توسيع الحرب نحو مناطق جديدة في الإقليم، لتحقيق أهداف المعركة والعدوان، ويمكن أن
تكون الجبهة نحو سورية مرشّحة أكثر من غيرها لهذا الأمر، أو الجبهة نحو لبنان، ولكنّ
هذا المسار دونه محاذير، خصوصاً لناحية تحوّل المنطقة إلى حرب استنزاف للولايات المتحدة
من القوى الدولية الكبرى. لذلك كله، كلّ الخيارات والمسارات المطروحة في الحرب على
غزة حالياً معقدّة ومكلفة، ولكنّها ستكون نقطة تحوّل في المنطقة كلّها.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن
رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".