وائل نجم
المستوى
الذي بلغه الوضع في لبنان غير مسبوق على الإطلاق ولم يعد يُطاق. الوضع السياسي في ذروة
التأزّم في ظلّ الانقسام العامودي والأفقي والمتعرّج حتى بلغ الأمر في الخلافات أنّها
دبّت بين أغلب الحلفاء فتحوّلت أو كادت أن تتحوّل التحالفات إلى خصومات وعداوات، ويترافق
هذا الانقسام مع فراغ في سدّة الرئاسة الأولى مع ما يعكسه ذلك من شلل وفراغ على باقي
مؤسسات الدولة وأوّلها الحكومة، وهو ما يحتاج ويحتّم على الجميع من مسؤوليين العمل
ليل نهار من أجل إنهاء هذا الوضع الشاذ للشروع في عمليات معالجة الأزمات والخروج منها.
والوضع
الاقتصادي ليس أفضل حالاً، فالانهيار المتواصل في سعر صرف الليرة الوطنية أمام العملات
الأجنبية الأخرى يخلّف دماراً اقتصادياً واجتماعياً واسعاً. فدخل المواطن اللبناني
الشهري بات في الحضيض، والغلاء كوى بأسعاره كلّ شيء، والمؤسسات الرسمية تعيش حالة من
الإضراب والإقفال القسري، وهو ما ينعكس بدوره على أداء الموظفين والشركات والبلد بشكل
عام. والمدارس والجامعات مقفلة أمام الطلاب بداعي الإضراب والحصول على الحقوق، والهجرة
على قدم وساق، والكهرباء والماء والطبابة وغيرها من الخدمات الأساسية باتت غير متوفرة
إلا ما ندر. وتتآكل قدرة اللبناني على الصمود والمواصلة يوماً بعد يوم. بخلاصة قصيرة:
الوضع الاقتصادي كارثي يشبه الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا قبل أسبوعين.
ومع
كلّ هذه المعاناة لا يكاد المرء يسمع "حسّاً" أو يرى حراكاً لا من المسؤولين
في السلطة، ولا من الذين يعيشون المعاناة اليومية على الطرقات أو في العمل أو في المنازل.
هل تخدّر الجميع؟! هل من ساحر مرّ ذات يوم على نبع الوطن وسحر المياه التي نشربها حتى
أُصبْنا جميعاً بداء الصمت والسكوت والتخدّر؟! هل "تمسحنا" (وعذراً على هذه
الكلمة) حتى بتنا لن نشعر بأيّ شيء وتحوّلنا إلى دمى و"ريبوتات" تتحرك بواسطة
"ريموت كونترول" أصحابها فتجرّدنا من أحاسيسنا ومشاعرنا ونخوتنا وانتفاضتنا
لكرامتنا ومستقبل أبنائها؟!
بصراحة
لم أعد أفهم ما يجري في هذا البلد! قد أفهم واستوعب أن ينام أهل السلطة الذين تنعّموا
بخيرات هذا البلد على مدى عقود وسنوات وجمعوا ما جمعوا من ثروات خلالها من دون أن يكترثوا
لما أصاب البلد! مع أنّ ذلك من "الخسّة" و "النذالة" أن يترك المسؤول
أهله وأصحابه وأتباعه في ظلّ هذا الواقع ويتنعّم هو بما جمعه من خيرات البلد. لكنّي
لا أفهم ولا أستوعب أبداً أن يسكت المعدوم، الذي لم يعد له ما يخسره في هذا البلد،
أن يسكت على هذا الواقع! لقد سلبوك كل شيء حتى الفرحة ومستقبل أبنائك فما الذي تنتظره
من هذه الفئة المسؤولة عن كل هذا الدمار؟! أقل ما يجب أن ينتفض المرء لكرامته وأن يبدأ
من محيطه قبل أن يطلق صرخته نحو الآفاق. فتلك الفئة المسؤولة عمّا آلت إليه الأمور
والأوضاع في البلد تدرك جيداً أن استمرار بقائها وبقاء هيمنتها على المقدرات يرتببط
بمدى ارتباط محطيها بها، وخصومته مع الشرائح والمكوّنات التي زرعوا بينها الخلاف والشقاق.
أقول
ذلك وأنا مسكون بمشاعر لا تبعث كثيراً على التفاؤل والأمل وأردد بيني وبين نفسي العبارة
الشهيرة التي تقول : "صرخة في بريّة" أو الأغنية التي تقول : " لا تندهي
ما في حدا"، ولكن ما ذلك سيظلّ الأمل هو المتنفس الذي لا يقودنا إلى اليأس والأحباط
والاستسلام.