لا شيء يوحي بالثقة ويبعث الأمل
آذار 31, 2022

د. وائل نجم

الوضع الكارثي في لبنان من سيء إلى أسوأ. كلّما اقتربنا من موعد الاستحقاق الانتخابي النيابي الذي نظر الكثيرون إليه على أنّه محطة أو نقطة الانطلاق نحو الخلاص وجدنا أنّ الأمور في البلد تزداد سوءاً وجحيماً الذي تحدث عنها رئيس الجمهورية ميشال عون ذات مرّة، بل وعدنا بها. لا شيء يطمئن ويبعث على التفاؤل والأمل. الأسعار إلى مزيد من الارتفاع. والأزمة إلى مزيد من الشدّة. الحصار المفروض على الناس إلى المزيد من الخناق والتضييق. الحلول المنتظرة أو المتوقعة كالسراب كلّما اقتربت منه وجدته أكثر بعداً. الانتخابات النيابية لم تعد تعني الناس شيئاً فلا أمل فيها للتغيير الحقيقي الذي يُخرج البلد من هذا الأتون الذي يحترق ويشتعل فيه. لم تعد الانتخابات سوى محطة يتزوّد منها الناس ببعض المساعدات التي تأتيهم وهي في حقيقتها رشوة انتخابية، نعم رشوة انتخابية يقبلها وينتظرها الناخب لأنّ الحال والوضع الذي يعيشه لم يعد يُحتمل، فهو بات مستعداً لتقبّل هذه الرشوة الانتخابية التي لم يعد لها قيمة حقيقية أمام جنون الدولار الذي لا يلجمه لا إجراءات المصرف المركزي ولا أي شيء آخر. لا شيء يوحي بالثفة في هذا البلد، ولا شيء يبعث الأمل، فما هو الحلّ؟

لقد وصل اللبناني إلى حالة من اليأس والإحباط، أو بالأحرى أوصلوه إلى هذه الحالة من ضمن الاستراتيجيات المعتمدة لإلهاء أو إفقار الشعوب ومن ثمّ السيطرة عليها وإخضاعها وشل تفكيرها. هل يُعقل أن يصبح سعر المحروقات متحركاً كل يوم ويقفز سعر صفيحة البنزين والمازوت إلى ما فوق النصف مليون ليرة ثمّ لا نجد من يحرّك ساكناً لا من الأحزاب ولا من النقابات ولا من أي قطاع من القطاعات التي تدّعي العمل لصالح الناس والشعب؟! هل من المعقول أن يعيش الناس بلا كهرباء ويعودون إلى السنوات العجاف التي كانوا يقضون أيامهم ولياليهم على الشمعة أو على ضوء "السراج" ويغسلون ثيابهم بـ "السطل" و "الجاط أو اللكن" ويستحمّون أيضاً بهما، ثمّ لا نجد من يحرك ساكناً؟! هل من المعقول أن يصبح سعر الدواء كالبورصة يختلف بين الصباح والمساء فيموت المريض دون أن يحصل على حبّة الدواء ولا نجد من يبالي بهذا الواقع؟! هل ما زال لدى الناس بقية شعور وإحساس أم أنّ مشاعرهم تجمّدت وانتهت فتحوّلوا إلى قطعان تهيم على وجهها وتنقاد لأمر الراعي دون أيّة قدرة منها أو مشيئة؟!

 

لا شيء يوحي بالثقة ولا يبعث على الأمل في بلد طبقته السياسية الحاكمة لا همّ لها سوى كسب المزيد من المال والنفوذ والجاه على حساب الناس والمواطنين. لا همّ لها سوى خوض المزيد من المعارك الوهمية مع بعضها لإلهاء الناس وشغلها عن همّها الإساسي في العيش بحرية وكرامة وصناعة مستقبلها وفق الطموح الذي تنشده. لا شي يوحي بالثقة في هذه الطبقة التي أوصلت البلد إلى هذا الدرك من الأزمات ثمّ لا تجد حرجاً في الاستمرار في إيقاد الأحقاد وإثارة النفوس من أجل الهروب من الحساب. ولا شيء يبعث الأمل مع هذا الخضوع والقبول والانقياد من قبل قطاعات واسعة من الشعب ما زالت تظن الخير في تلك الطبقة التي أرهقت البلد ومواطنيه وحتى ساكنيه.

لا تنتظروا الانتخابات النيابية ولا حتى الرئاسية ولا تظنّوا أنّها ستحدث لكم التغيير المنشود الذي يخرجكم من جحيمكم. كل ما في الأمر أنّ بعض الوجوه ستتغير أمّا السياسات فستبقى ما بقيتم على صمتكم وخضوعكم وقبولكم لهذا الأمر الواقع دون الاستعداد لدفع الأثمان الحقيقية للخروج منه، ولعلّ أول هذه الأثمان تخلّيكم عن أنانيتكم وطائفيتكم وعنصريتكم وانقيادكم الأعمى لزعامات وقوى لا همّ لها سوى نفسها وهي متسعدة لتحرق كل شيء من أجل نفسها فقط. الحلّ هو في الخروج من مربع التعصّب الأعمى لصالح هذا الزعيم أو تلك الطائفة أو ذاك الحزب لصالح الانتماء إلى منطق العدالة والانفتاح والعيش بحرية وكرامة وتقديم الصالح العام على المنطق الضيّق والأعمى. أمّا بغير ذلك فإنّ ما هو قادم قد يكون أتعس مما قد مضى، لأنّ المتحكّمين بالقرار باتوا على قناعة أنّ إعادة تنصيبهم ستمنحهم فرصة جديدة وأخرى لاستكمال ما شرعوا به من إخضاع الناس لتحويلهم إلى أكثر من عبيد.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".