د. محمد موسى
غالبا ما يحكى عن قيمة الدول بمدى تفعيل معايير
الديمقراطية فيها وأول هذه المعايير الانتخابات ولكن ما جدوى الانتخابات في ديمقراطية
توافقية هشة تحكمها الفيدرالية المقنعة او ما يسمى بمعيار الميثاقية. من هنا يجمع الكثيرون
ان الإجراءات الديمقراطية الشكلية على غرار الأحزاب السياسية، والانتخابات، والمؤسسات
السياسية، والتمثيل النسوي، وتمثيل الأقليات تحظى بالنصيب الأكبر من التركيز، ولا يتم
الالتفات إلى طبيعة المحتوى الديمقراطي، أي مجموعة المبادئ والمفاهيم التي تشكل مقدمة
أساسية للإجراءات الديمقراطية المتقدمة، هكذا يتم توصيف العديد من بلدان العالم بأنها
دول (ديمقراطية )لأنها تلتزم بهذا الشكل، حتى وإن كان هذا الشكل في جوهره بعيدا كل
البعد عن أي محتوى ديمقراطي حقيقي، والمفارقة هنا ان الدول الديمقراطية الحقيقية غالبا
ما تمارس هذه الانتهازية ما دامت مصالحها تقتضي ذلك ولا ادل من العالم الذي يكيل بمكيالين
اليوم في أوكرانيا وفلسطين منذ اكثر من 74 عاما".
وتشير الكثير من التقارير الدولية والأبحاث في مجالات
الديمقراطية الى ان الإجراءات الديمقراطية الشكلية لا يمكن أن تنتج ديمقراطية حقيقية
وهنا بيت القصيد في هشاشة الديمقراطية اللبنانية التوافقية الإبداعية. وعليه لا بد
من الانتباه إلى أن مفتاح أي ديمقراطية حقيقية لابد ان يبدا بمعادلة ميزانها حكم القانون
الذي يتصدر الأولويات فهل ما يجري في كل المؤسسات القضائية في لبنان و كثير من دول
يضع القانون راس كل الامر؟!!! الجواب معروف وسنستعرضه من خلال 12 مؤشرا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا لقياس الدول
الفاشلة/ الهشة وهو ما تعتمد عليه كبرى المؤسسات المعنية في قياس فعالية الديمقراطية،
ومن أبرز هذه المؤشرات ما يلي :
أولا" : فقدان شرعية الدولة عبر فساد النخبة
الحاكمة، وغياب الشفافية والمحاسبة السياسية، وضعف الثقة في المؤسسات وفي العملية السياسية
مما يكثر مقاطعة الانتخابات وانتشار التظاهرات والعصيان المدني… ولعل ثورة 17 تشرين
لا تزال حاضرة.
ثانيا" : التدهور الحاد في تقديم الخدمات العامة
حيث لا تؤدي الدولة وظائفها الجوهرية مثل حماية الناس، والصحة والتعليم والتوظيف، ولنا
في ملفات الكهرباء ما لا ينتهي فيه الحديث عن هدر فاق 40 مليار دولار ولا كهرباء!!!!.
ثالثا": الحرمان من التطبيق العادل لحكم القانون
وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان عبر قوانين الطوارئ، والاعتقال السياسي، والعنف المدني،
وغياب القانون، وتقييد الصحافة، وخوف الناس من السياسة وهنا يشير الكثيرون الى خطورة
سياسة التضارب بين المؤسسات و الخوف من ضعف اقبال الناس للانتخابات حيث القرف السياسي
الممزوج بلعنة الأيام مع طبقة سياسية واقتصادية ومالية فاسدة.
رابعا": تشتت الأمن قد يخلق دولة داخل الدولة
وظهور النزاعات المسلحة، وظهور قوة أمنية توازي الأمن النظامي للدولة… وهنا الحديث
يطول للتعبير عن مسارات الامن والديمقراطية والوظائف السيادية في بلد لبنان بلد الاستثناءات
المبررة و غير المبررة والمقوننة وغير المقوننة.!!!!
خامسا: تنامي الانشقاقات داخل النخب بالدولة الانقسام
بين النخب الحاكمة ومؤسسات الدولة، واستخدام النخبة الحاكمة لنغمة سياسية قومية تذكر
بتجارب وحدوية قومية اما في لبنان فالتذكير اخطر عبر المنطق الطائفي و المذهبي واكثر!!!!!!!!
سادسا" : تدخل دول أخرى أو فاعلين سياسيين
خارجيين عبر التدخل العسكري أو شبه العسكري
داخليا في الدولة أو جيشها أو جماعات فرعية بها، وتدخل قوات حفظ السلام والقوات الدولية
وهنا الحديث يطول فمنذ الاستقلال في 1943 ومعزوفة القوات الأجنبية التي تسرح وتمرح
باختلاف مسمياتها لا تزال قائمة ولكل فتوى تخص اولويته حسب القطعة والزمان والمكان.
و بعد استعراض جملة المعايير السابقة لبنانيا" ووفقا" للتقرير السنوي لعام
2021 لمؤشر الدول الفاشلة/ الهشة، صنفت الدولة إلى أربعة تصنيفات؛ دول مستدامة، دول
مستقرة، دول في حالة تحذير، دول في حالة إنذار ،وضمن هذا التصنيف الرباعي هناك تصنيفات
فرعية أيضا، على سبيل المثال فيما يتعلق بالدول في حالة الإنذار، يتم تصنيفها إلى:
دول في حالة إنذار، دول في حالة إنذار متقدمة، ودول في حالة إنذار قصوى، وفي تقرير
العام 2021 وقياسا إلى دول المنطقة، صُنف لبنان في المراكز 34، اي ضمن الدول القابعة
في حالة التحذير المتقدمة، وعليه أن كل المؤشرات تشير إلى تراجع مخيف على جميع المستويات
، فوفقا" للأرقام الصادرة عن العديد من المؤسسات الدولية المعنية، تبلغ نسبة الفقر
في لبنان اليوم حوالي 75٪، أي انها أعلى من معدلاتها في العام 2019التي بلغت فيها
41٪ وهي بذاتها طمة كبرى! اما البطالة فالأرقام تفوق 40% واغلبها في الشباب الحالم
بالهجرة، اما القطاعات التعليمية فهي في ازمة خانقة في قطاعيها الرسمي والخاص، والعملة
الوطنية تلفظ أنفاسها بخسارة 90% من قيمتها، والتضخم يضرب كل شيء ويأكل القدرة الشرائية
للمواطنين، والحالة الاستشفائية كارثة الكوارث في ضعف المستشفيات وهجرة الكوادر الطبية،
وعليه حالة التدهور مستمرة سياسيا" واقتصاديا" واجتماعيا" فهل الى خروج
من سبيل؟!!
واقع الامر يؤكد ان الانتخابات بهذه الصورة لن تشكل
مفصلا" لدى الناس او حتى المجتمع الدول المنهمك في الحدث الروسي-الاوكراني وعليه
أي انتخابات في ديمقراطية لدولة هشة تصُنف ضمن الدول القابعة في حالة التحذير المتقدمة.!!!!
*أكاديمي وباحث في الاقتصاد السياسي
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر
عن "آفاق نيوز"