بيار
عقيقي
أنهى اللبنانيون، قبل ستة أيام، انتخاباتهم التشريعية،
وسط انقلابٍ يقترب من ذلك المماثل له في العراق الذي وقع في 10 أكتوبر/ تشرين الأول
الماضي، ولكن أكثر "لبنانيةً" بسبب كثافة "الأقليات" الطائفية
في لبنان التي تدّعي أنها "أكثرية". وأظهرت النتائج عوامل عدة، على الرغم
من الاقتراع الضئيل الذي لم تتجاوز نسبته 41%، أن الرأي العام يريد شيئاً مغايراً لكل
ما اعتاد عليه. بلغة الأمزجة الشعبية والأرقام داخل كل طائفة، كشف الاقتراع أن اللبنانيين
باتوا أكثر تحرّراً من التمسّك بزعاماتهم التقليدية، ولو بنسبٍ متفاوتةٍ بين طائفة
وأخرى، إلا أن معطيات عدّة يُمكن أخذها في عين الاعتبار لفهم المسار الذي يتّجه إليه
لبنان.
أولاً، إن حصول "القوات اللبنانية" على
أرقام عالية في صفوف المسيحيين، يعني أمرين: الأول، أن الخيار الذي ارتضاه "التيار
الوطني الحرّ" لم يعد قريباً من الأكثرية المسيحية، التي لم تتآلف بعد مع فكرة
أن "التحالف مع حزب الله يعني التمسّك بمشرقيّة ما"، بل ظهر وفقاً لهم أن
"التيار" لم يعد ندّاً للحزب، كما حصل حين وُقّعت ورقة التفاهم بينهما في
6 فبراير/ شباط 2006. والثاني، أن المسيحيين المعارضين لم يقترعوا لـ"القوات"
حصراً، بل اقترعت نسبةٌ معبّرةٌ منهم لصالح قوى التغيير ولأطراف أخرى. غير أن الجو
العام لدى المسيحيين بات أكثر بعداً عن حزب الله عما كان عليه منذ 16 عاماً.
ثانياً، إن سقوط خصوم "الاشتراكي"، الموالين
لسورية وحزب الله، وبروز نواب ينتمون إلى قوى تغييرية في القواعد الدرزية، أثبتا أن
تمدّد الاعتراض الدرزي على النظام السوري من السويداء في سورية إلى جبل لبنان، ليس
لحظة عابرة، بل مراكمة مستمرة منذ مقتل مؤسس "حركة الكرامة" الشيخ وحيد البلعوس،
بانفجار سيارة مفخخة في سبتمبر/ أيلول 2015 في مدينة السويداء. وعادة، في العقل السياسي
الدرزي تاريخياً، يميل الدروز إلى خيارين متطرّفين؛ موالاة النظام الحاكم، أياً كان،
بشكل تامّ، أو التمرّد عليه بشكل تامّ. وفي انتخابات لبنان أخيرا، مالوا إلى الخيار
الثاني بشكل أكثر وضوحاً من قبل.
ثالثاً، إن ثبات حزب الله وحركة أمل في صفوف الشيعة
لم يعد ترفاً. والحزب تحديداً يدرك ذلك، بدءاً من انخفاض نسب المقترعين الشيعة، ثمّ
خروج ناخبين من الفئة الشبابية عنه. وبمعزل عن سقوط حلفائه في الطوائف الأخرى أو تراجعهم،
عاد الحزب إلى المكان الذي وجد نفسه فيه قبل التفاهم مع "التيار الوطني الحر"
في عام 2006: قوياً في الداخل الشيعي وضعيفاً خارجه.
رابعاً، إن تراجع التيار الوطني الحر الهائل في
صفوف المسيحيين لم يعد مجرّد "رواية خيالية" بل حقيقة واقعية. وله أسباب
عدة، لعلّ أبرزها أن عهد رئيس الجمهورية ميشال عون خيّب الآمال بشكل كبير، ولم يقم
بأي دور فعلي في وضع حدّ للتدهور الاقتصادي والمعيشي، ولم يتمكّن سوى من تكرار عبارة
"ما خلّونا" للإشارة إلى أنه كان ينوي العمل والإصلاح لكن أطرافاً أخرى
(لا يسمّيها) هي التي عرقلت عمله. في عام 2005 بايع المسيحيون عون بنسبة 72%، حين عاد
من منفاه الفرنسي، وفي عام 2022، وفي عهده الرئاسي، بايع المسيحيون خصومه بنسبة مماثلة
لها.
خامساً،
ترك غياب "تيار المستقبل" بقيادة رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، فراغاً
لدى القواعد السنّية، ملأه من كان الأقرب إلى التغيير أو إلى المعارضين لحزب الله،
في مؤشّر أيضاً إلى انتقاد للحريري نفسه، الذي هادن الحزب في ملفاتٍ كثيرةٍ وفقاً لمنتقديه.
صحيحٌ أن الكلام في بيروت يدور حول عودة "ظافرة" للحريري لرئاسة الحكومة،
إلا أنه لا يُمكن الركون لهذه الفرضية في الوقت الحالي. لكن الأهم، أن المرحلة الحالية
تشبه لبنان في عام 2005: حراك سريع و"مفاجآت" لا تنتهي.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".