منير الربيع
تتقدّم الاستحقاقات الإقليمية على التفاصيل الداخلية.
في لبنان الوضع متفجرّ والتفاصيل تنذر بانهيارات متوالية، نظرًا إلى ارتفاع سعر صرف
الدولار وانعكاسه السلبي على مختلف القطاعات. ومن جانب آخر يستمر الجدل والتفاوض في
سبيل انتخاب رئيس مجلس نواب وهيئة مكتب المجلس، وصولًا إلى البحث في تشكيل الحكومة.
لكن هذه التفاصيل كلها لا تحجب المشهد الإقليمي الآخذ بالتعقد: من تعثّر المفاوضات
النووية بين واشنطن وطهران، إلى التصعيد المستمر بين روسيا والغرب، وما يأتي في سياق
التطورات الإقليمية.
مستجدات إقليمية
لأثر المفاوضات النووية السلبي، انعكاسات على الملفات
في المنطقة، بينما وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يتحدث عن قرب عقد
لقاء حواري بينه وبين وزير الخارجية السعودي. وإذا حصل هذا، يشكل تطورًا بارزًا على
الصعيد الإقليمي. ولا شك في أن نتائجه ستكون أقوى لو كانت هناك بوادر للاتفاق الأميركي-
الإيراني. أما في حال استبعاد التسوية حول النووي، فإن الاجتماع السعودي- الإيراني،
إن حصل، لن تكون نتائجه بعيدة المدى. فواشنطن لا ترضى بذلك، فيما إدارة الرئيس جو بايدن
تبحث عن تعزيز العلاقات مع السعودية وإعادة إطلاقها من جديد. وهذه لن تكون بلا ثمن
لصالح السعودية، سواء في اليمن أو في غيرها من الساحات.
وليس تفصيلًا مثلًا أن يخرج عبد اللهيان بتصريح
يشير فيه إلى أنه يؤيد الحل السياسي في سوريا. فهذا موقف جديد، حتى وإن كانت خلفيته
تنطلق من نقطة تفاوض إيرانية محمّلة بصبر طويل. فأي مبدأ للحل السياسي في سوريا يشمل
الانتقال إلى مرحلة أخرى تتجاوز التمسك بالنظام السوري.
تركيا وروسيا
في هذا الوقت تأتي التطورات التركية في شمال سوريا
على وقع تقارب سعودي- تركي، ما قد يعيد قواعد اللعبة في الملف السوري إلى مرحلة ما
قبل العام 2015. فحينذاك كان هناك اتفاق سعودي- تركي مشترك على إقامة مجلس استراتيجي
لإدارة شؤون المنطقة، وخصوصًا سوريا.
وتأتي العملية العسكرية التركية في شمال سوريا على
وقع انسحابات روسية من مناطق سورية تسعى طهران للحلول فيها، وسط معارضة أميركية وخليجية
وإسرائيلية أيضًا. وهذا ما يستغله الأتراك ربطًا بمفاوضات إدخال فنلندا والسويد إلى
دول الناتو. وقد طرح أردوغان ملفًا مقابلًا، وهو إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا.
يأتي ذلك في ظل استعداد سعودي لترتيب العلاقة مع
الأميركيين، والكلام عن زيارة يجريها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى دول عدة،
بينها تركيا ومصر. ولا يمكن فصل مسار تحسين العلاقات التركية- المصرية، والتركية- الإماراتية
عن كل هذه الوقائع.
بين الأردن والنظام السوري
تطورات الشمال السوري المنتظرة والمرتقبة، لا تنفصل
عن تطورات الجنوب السوري، خصوصًا بعد انسحابات قوات روسية، وعودة التوتر على الحدود
الأردنية- السورية، والاتهامات التي توجهها السلطات الأردنية للنظام السوري والفرقة
الرابعة بالتحديد، بالعمل على إغراق الأردن بالمخدرات المهربة.
وهذا ما تعتبره دول الخليج مسًّا بأمنها القومي.
لا سيما أن هذه الكميات الهائلة من المخدرات هدفها الوصول إلى الأسواق الخليجية. ورفع
الصوت في هذا الإطار من شأنه إضعاف النظام السوري أكثر، تطويقه واستبعاد إدخاله إلى
الجامعة العربية. ويعزز ذلك زيارة الأسد إلى طهران قبل مدة.
ماذا في لبنان؟
وسط هذه التطورات يقف لبنان في عين عواصف عدة، اقتصادية
ومالية وسياسية واجتماعية، ربطًا بالانهيار المالي، وبأزمة النفط العالمية. هنا يعود
حزب الله إلى محاولة فرض قواعد جديدة تخرج الواقع اللبناني من هذه الأزمات وتضعه على
سكّة التوتر الإقليمي القائم، سواء من خلال رفع نصرالله معادلة الحرب في حال المساس
بالمسجد الأقصى، أو في حال حصول أي تطورات سلبية على خطّ إسرائيل وإيران.
فنصرالله كان واضحًا بقوله إن لبنان جزء من هذه
المعركة. ولكلامه هذا تفسيران: الأول يعتبر أنه عندما يهدد الإيرانيون وحزب الله إلى
هذه الحدود القصوى يكونون على يقين بأن لا شيء يحصل على خطّ اندلاع المواجهة، وتكون
هناك جهات عديدة تعمل على التفاوض غير المباشر. فيما يعتبر التفسير الثاني أن تصعيد
نصرالله رسالة تهديد مباشرة تحسبًا لأي تطور غير محسوب، وبالتالي قد يؤدي أي خطأ إلى
اندلاع مواجهة.
في إعادة نصرالله وضع لبنان على سكة التوتر الإقليمي،
لا يمكن إغفال البحث عن إعادة فرض توازن سياسي جديد، بفعل العودة السعودية الفاعلة
على الساحة اللبنانية. وهذا بالتأكيد ما يحاول حزب الله منع حصوله، إما بقدرته على
التعطيل داخليًا، وإما بالخروج إلى الآفاق الأوسع الذي يربط لبنان بالسياق الإقليمي.
لذا يصبح التخوف من احتمال تدهور كبير قائمًا.
المصدر: المدن.
الآراء
الواردة في المقال تعبر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".