لبنان .. ذكرى الاستقلال وتحدّي الحفاظ على السيادة
تشرين الثاني 23, 2024

د. وائل نجم

يصادف يوم الثاني والعشرون من تشرين الثاني/نوفمبر الذكرى السنوية لاستقلال لبنان عن "الانتداب الفرنسي"، ولكنّ هذه الذكرى تأتي هذا العام ولبنان يعيش أزمات ويواجه تحدّيات كثيرة وكبيرة، ولعلّ أبرزها العدوان الإسرائيلي الذي بدأ بشكل واسع اعتباراً من منتصف شهر أيلول/سبتمبر 2023 تقريباً وبلغ مديات كبيرة وواسعة خلال الأيام الأخيرة تمثّلت بشكل رئيسي بقصف أحياء سكنية في قلب العاصمة بيروت. كما هناك التحدّي الآخر المتمثّل بانتخاب رئيس للجمهورية بعد فراغ في سدة الرئاسة الأولى تجاوز العامين، على الرغم من جهود الوساطة التي قادتها اللجنة الخماسية وفي صلبها دولة قطر .

لبنان وفي ذكرى استقلاله يواجه اليوم، في ظلّ العدوان الإسرائيلي عليه، تحدّي الحفاظ على سيادة الدولة وقرارها الوطني المستقل. فالعدوان الذي كشف عن نواياه بأنّه يريد أن يغيّر النظام في لبنان، وهو ما صرّح به رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بعد تمكنّه من تحقيق إنجازات وتسديد ضربات نوعية للمقاومة اللبنانية، وقد فشل بعد ذلك في تغيير النظام بفضل صمود اللبنانيين شعبياً وعسكرياً، يريد (الاحتلال) اليوم فرض شروطه على لبنان من أجل وقف إطلاق النار معتبراً نفسه قد انتصر في هذه المعركة، خاصة وأنّه أخذ المدنيين رهائن فيها من خلال استهدافهم وملاحقتهم في بيوتهم ومدنهم وقراهم، وهو بالفعل ما أوجع اللبنانيين وجعلهم يبحثون عن حلّ وعن وقف لإطلاق النار، أو بالأحرى وقف لهذه المجزرة المتواصلة بحقّهم. غير أنّ الإسرائيلي فهم الموضوع على غير حقيقته واعتبر أنّ لبنان في حالة انكسار وبالتالي فإنّ الوضع يسمح للإسرائيلي بفرض الشروط، ومن بينها إدخال تعديلات _ ولو غير رسمية – على القرار 1701 الذي بات يشكّل قاعدة الانطلاق لوقف إطلاق النار والحلّ السياسي، ومن بين أبرز هذه التعديلات أو يمكن أن نسمّيها القراءات لتفسير القرار، "منح حقّ الدفاع عن النفس لكلّ من لبنان وإسرائيل"، وذلك بعد أن يكون مقاتلو المقاومة قد انسحبوا من منطقة جنوب نهر الليطاني على الحدود بين لبنان وفلسطين، بما لا يضمن أن تقوم قوات الاحتلال بغزو هذه المنطقة في أيّ وقت تعتبر فيه نفسها في حالة دفاع عن النفس. أو من خلال المطالبة بإعطائها الحقّ في مراقبة الحدود البريّة والبحريّة والجويّة للبنان، والتدخّل عند الحاجة والضرورة اللتين تراهما هي بالطبع. بمعنى آخر احتلال لبنان من الجو، وتحويله إلى ما يشبه الضفة الغربية في فلسطين.

تتصرّف "إسرائيل" كما لو أنّها انتصرت في الحرب وتفرض شروطها على "المهزوم". والحقيقة غير ذلك تماماً، فالمواجهات ما تزال جارية عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة وتُنزل بجنود الاحتلال خسائر فادحة على مستوى الأفراد والعتاد؛ وإطلاق الصواريخ صوب القواعد الإسرائيلية في العمق الإسرائيلي ما تزال مستمرة، وقد باتت تصل إلى مناطق أكثر عمقاً؛ والمستوطنون لم يعودوا إلى مستوطناتهم لأنّها ما تزال عرضة لاستهداف المقاومة من لبنان، وبالتالي فإنّ الحرب لم تنته، ولبنان لم يرفع بعد الراية البيضاء، ولكنّ "إسرائيل" تضعه أمام تحدّي الحفاظ على المدنيين أو الحفاظ على سيادة الدولة وقرارها. وبهذا المعنى فإنّ لبنان أمام معادلة صعبة لا بدّ فيها من الموازنة بين الأمرين، إذ ما الفائدة في أن تحافظ على المدنيين ثم تجعلهم مسلوبي الإرادة والقرار الحرّ، أو تجعلهم تحت الاحتلال غير المباشر! كما ما الفائدة أيضاً في أن تحافظ على السيادة ثم تخسر المدنيين (الشعب) وهو أحد أركان الدولة! خاصة وأنّ الإسرائيلي يتصرف كما لو أنّ أحداً لن يحاسبه على مجازره التي اقترفها، وما يزال، في لبنان وفي غزة وفي الضفة الغربية!.

ثمّ وفي معرض الحديث عن الاستقلال والسيادة فإنّ هذا المفهوم لا يتجزّأ ولا ينقسم. بمعنى لا يمكن الحديث عن السيادة في مواجهة التغوّل الإسرائيلي، والصمت والسكوت عنها أمام غيره تحت أيّ عنوان من العناوين، والعكس صحيح. ومشكلة اللبنانيين أنّهم منقسمون على أنفسهم حيال ذلك، ربما ليس باتجاه الإسرائيلي فالكل يرفض شروطه لا سيما المتصلة بسيادة لبنان على قراره، ولكن باتجاه جهات ودول أخرى، البعض يعتبرها صديقة فيما البعض الآخر يشكّك بصداقتها وبكونها تستخدم لبنان ساحة لمشاريعها ومصالحها. ولعلّ هذا تحدّ آخر يُضاف إلى التحدّيات التي يعيشها لبنان أو يواجهها ولا أدري إن كان يبحث عن حلول لها.

ذكرى الاستقلال هذا العام تتزامن مع تحدّي الحرب، فعسى أن تجمع وتوحّد المصيبة اللبنانيين حول سيادتهم حتى يجعلوا استقلالهم الحقيقي ناجزاً.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".