د.
محمد موسى *
لبنان
المنهك من مصاب الى مصاب ومن محطة مفاوضات إقليمية الى أخرى دولية والمحمل من سفينة
إيرانية بمواد المازوت الاحفورية الى سفينة أميركية برية وجرعة غاز كهربائية على باب
الوساطات المصرية والمتناغمة مع الاطلالة الأردنية على القيادة السورية بعيدا"
عن عقوبات قوانين أميركية وتجاوز لقيصر ومفاعيله الكارثية.
لبنان بكل اسف يعيش ازمة أخلاقية تنم على تغير ثقافة او خوف من القادم ترجم
بلغة الانانية المفرطة التي قد تودي الى كوارث ليس اقلها ما جرى في انفجار التليل في
عكار الغالية.
نكتب
عن هذه الازمات ونحن على أبواب الذكرى الثالثة والاربعين لتغييب الامام السيد موسى
الصدر امام التلاقي و الانفتاح و الزهد بالمناصب لأجل الوطن ، نكتب هذه السطور لنخبرك
يا امام الوحدة الوطنية بأن حال لبنان يبكى عليه و اطفاله بحسب التقارير الدولية يبيتون
جوعى ولا من يحرك ساكناً ، أيها الامام الفاضل بين اللبنانيين من يصلي الجمعة في الصفوف
الامامية و يحاضر بالعفة ثم تراه محتكرا" لصا" للمواد الغذائية و اخر يتقدم
المواكب والمجالس الحسينية و لكنه للأسف محتكرا" للأدوية المعنية بكبار السن و
حليب الأطفال الرضع و اخر يتقدم صفوف المصلين يوم الاحد على مذبح الكنيسة المريمية
الطاهرة و لكنه يخزن المازوت والبنزين و الغاز عن اللبنانيين كي يموتوا بعتمة لياليهم.
فالمستشفيات في طريق معبد نحو موت محتم عندما تنطفئ المولدات عن العمل بسبب التخزين
والتهريب والتدليس والسرقة والمماطلة، اما غياب الغاز سيدي فهو إضافة جديدة لبرادات
الطبقات الفقيرة الخالية الا من عزة النفس ورحمة الله وكأني باللبنانيين ورقة في مهب
الريح في لعبة الأمم التي لا تنتهي. وللتذكير فقد اكدت تقارير اليونيسف ان هذه العائلات
الفقيرة تزداد كل يوم حيث 60 بالمائة من اللبنانيين فقراء نصفهم فقرهم مدقع والادهى
من ذلك ان 65 بالمائة يراكمون الديون كي يستمروا في إيجاد قوت يومهم وأكثر من 77 بالمائة
منهم لا يجدون ثلاثة وجبات يوميا" في معركة الغذاء والبقاء.
سيدي
الامام لم يعد بين القادة اللبنانيين من يعتصم في جامع العاملية من اجل القضايا الكبرى
وأولها القضية الام: الوطن والانسان وكرامة الانسان قبل كل شيء فأية كرامة عندما تنهار
العملة الوطنية والرواتب امام الدولار الفاحش الذي يضرب موائد اللبنانيين وحياتهم ليبلغ
التضخم 455% بالمتوسط على كافة السلع الاساسية.
لاشي
يحركهم سيدي لا طوابير الذل على البنزين ولا السوق السوداء التي باتت مهنة الكثيرين
في بلاد بلغت نسب البطالة ما يفوق 55 بالمائة واغلبهم في الشباب، لا يحركهم حتى حالات
الانتحار للموظفين مدنيين وعسكريين في زمن الانهيار والانتظار للارتطام الكبير بكل
معانيه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
سيدي
الامام الاخلاقيات تنحدر في زمن غياب القيادات من امثالكم حيث غدا اللبناني سلعة على
موائد اللئام ، لم يعد بالمقدور سوى الانتظار من أسبوع الى أسبوع لولادة حكومة تقوم
بتقديم بديهيات الحياة لإنسان كريم، ولا ضير ان لم تؤلف حكومة منذ اكثر من سنة مع اكثر
من شخصية لان منطق الطائفية البغضاء و المذهبية الشحناء الكريهة و المحاصصة اللعينة
لا زالت سيدة الموقف و لا من يجرء على وقف نزف اللبنانيين من اعصابهم و دمائهم وابنائهم
اللذين يتسولون في السفارات بحثا" عن فيزا هنا ومخرج من جحيم مرارات الذل اليومية
هناك.
سيدي
الامام لصوص الهيكل لا زالوا يعبثون كل يوم لخراب الوطن وتغيير ملامحه الإنسانية- الوطنية
المشرقة لجره الى أماكن لم يعد لدى اللبناني القدرة على احتمالها وصرخاته المدوية كل
يوم دليل إضافي على افلاس طبقة الحاكمين بعيدا عن قيمة الانسان. انهم يا سيدي الامام
مثلما وصفتهم ذات يوم في خطبة لك في عشقوت في 25/09/1974 وما اشبه اليوم بالأمس عندما
قلت كلمة حق: " نحن هنا ميزتنا وفخرنا واعتزازنا أننا نحتفظ بالتعاليم الأصيلة
كما هي. وهي واحدة لا خلاف فيها ولا تناقض. لبنان تجاوز الوحدة الوطنية بمعنى اللقاء
المسلم-المسيحي. ولكن يبقى الذين يريدون أن يخلقوا انشقاقًا فيها. الفاشلون الذين لم
يتمكنوا من تقديم شيء للبناني فلبسوا ثوب القديسين، خلقوا المشاكل، وزرعوا بذور التفرقة
حتى يستمروا في حكمهم ويغطوا فشلهم في الحكم. فتشْ عنهم ترهم أبعد الناس عن الدين وآخر
من يلتزم بالقيم الدينية، إن المشكلة التي نعانيها وتهدد شعبنا بالتمزق هي مشكلة لقمة
الخبز وانفلات الأمن والماء والغلاء الفاحش المستمر، المشكلة ليست الطائفية، فالمسلمون
والمسيحيون إخوان بدليل هذا اللقاء وآلاف اللقاءات في الماضي.
هنالك فقط طائفة واحدة هي طائفة المستأثرين الطغاة والمحتكرين، وهؤلاء موجودون
عند السنة والشيعة والموارنة والأرثوذكس والدروز وغيرهم. هؤلاء يشكلون أفرادها موجودون
في كل الطوائف اللبنانية طائفة واحدة ضدّ كلّ الناس، أيُّها المتاجرون المقلقون، المخوِّفون،
أنتم أعداء الشعب. الشعب كلُّ واحد، وليس عدوًا لبعضه، كلُّه يتألم، جائع، عريان، وعطشان.
ببساطة
في هذه الذكرى لهذا المفكر الاستثنائي نستذكر قول الله تعالى "ارحموا من في الأرض
يرحمكم من في السماء" ونستلهم من السيد المسيح " طوبى للرحماء" فهلموا
وألّفوا حكومة بدل الحرتقات و الهرتقات و الاعتكافات، حكومة وطنيين حقيقيين ينتشلون
لبنان من ازماته ويبعثون الثقة في نفوس الناس اليائسة والبائسة والا سيأتي الطوفان
الاجتماعي تحت كثافة الضربات الاقتصادية المعيشية ليجرف الجميع.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن"آفاق نيوز".
*
خبير اقتصادي وأستاذ جامعي