مآلات حرب العسكر في السودان
نيسان 29, 2023

عمر كوش

منذ اندلع الصراع المسلح، في 15 إبريل/ نيسان الجاري، بين طرفي المكون العسكري الحاكم في السودان، والقلق ينتاب غالبية السودانيين من أن يطول أمد هذا الصراع، ومن إمكانية انزلاقه إلى حربٍ مفتوحة، تزيد من عدم استقراره، وتقوده إلى دهاليز ومتاهات مظلمة، خصوصاً أن كل الاحتمالات باتت مشرعةً أمام مآلات حرب العسكر، في ظل تدخّلات القوى الخارجية، الإقليمية والدولية، الداعمة كلا الطرفين، والتي لا تقيم وزناً لمعاناة السودانيين من المآسي التي تعصف بهم، ولا للتصدّعات التي تطاول السلم المجتمعي في بلدهم، الذي شبع عساكر، وأُغرق بالأسلحة والعتاد.

ما يزيد القلق أن معطيات المواجهات المسلحة، بعد انقضاء أسبوعين على اندلاعها، تشير إلى أن كلا الطرفين المتقاتلين، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لم يتمكّنا من حسم الصراع سريعاً، وأن المعارك بينهما تحوّلت إلى حربٍ مفتوحة داخل شوارع المدن وأحيائها، وأصبح الطرفان يتناوبان السيطرة على بعض المواقع الاستراتيجية، من دون أن تتمكّن قوات أحدهما من إحكامها وتثبيتها، والأخطر من ذلك، ترويع المدنيين، وسقوط ضحايا كثر بينهم، ووصول نيران المعارك إلى أماكن سكناهم وعيشهم، وتعرّضها للنهب والسلب، وبات أمن الأحياء السكنية مرهوناً بما يمكنها أن توفره شبكات الحماية السلمية، التي شكلتها لجان المقاومة الشبابية في أحياء العاصمة الخرطوم وباقي المدن الأخرى.

وتقود مآلات الصراع المتوقعة في حرب العسكر على السلطة والثروة إلى التقدير أنها ستترك آثاراً وانعكاسات مريرة وثقيلة على عامّة السودانيين، خصوصا أن المدنيين يدفعون الثمن، وعلى علاقة السودان بالدول المحيطة والعالم الخارجي أيضاً، على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية، بالنظر إلى ثقل ما ستخلفه هذه الحرب من دمار وضحايا وآلام. كما أن التقدير يذهب باتجاه أن حسم الحرب لصالح أحد الطرفين ستكون له أيضاً انعكاسات مباشرة على طبيعة المرحلة اللاحقة لعملية الحسم، لكنه لا يُفضي بالضرورة إلى التخلّص من الطرف الآخر، بمعنى أنه إذا انتصر الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، فذلك لا يعني التخلص من قوات الدعم السريع وزعيمها محمد حمدان دقلو، بالنظر إلى أن مليشيات الأخير تمتلك نقاط تموقع وارتكاز في معظم المدن، وحاضنة قبلية في إقليم دارفور، وتتوفر لها خطوط الدعم والإمداد لها بالأسلحة والمقاتلين، ولها امتدادات تصل إلى ليبيا وتشاد، فضلاً عن قدراتها الاقتصادية التي توفّرها بشكل أساسي سيطرتها على مناجم ذهب بحماية مرتزقة "فاغنر" الروسية. وفي المقابل، يصعُب على قوات الدعم السريع حسم الصراع لمصلحتها، ولو حصلت على دعم عسكري نوعي من قوى إقليمية أو دولية تريد إطالة أمد الصراع في السودان، كي تحافظ على استمرار نفوذها وسطوتها فيه. إضافة إلى أن للجيش السوداني، كمؤسسة، قيمة معنوية ووزناً رمزياً لدى عامّة السودانيين، على الرغم من استيائهم منه بوصفه من مخلفات نظام عمر البشير الذي هندسه كي يكون وفياً لنظامه في مواجهة الشعب.

يضاف إلى ما تقدّم أن لدى قادة الجيش اتفاقيات مع قادة الفصائل المسلحة التي وقعت على اتفاق جوبا (2022) لدعم القوات المسلحة، وفي حال تدخلها، ستذهب الأمور في اتجاه توسيع رقعة الحرب، وتحوّلها إلى حربٍ أهلية، وبما ينذر دخول السودان مرحلة جديدة نحو مزيدٍ من التفكّك والتشظّي وانهيار سلطته المركزية، وتحوّله إلى دولةٍ فاشلة كلياً.

تتفاقم المشكلة مع توفر الإمكانات لدى الطرفين لمواصلة الحرب مدة طويلة، ومع توازن القوى العسكرية الحاصل بينهما، إذ على الرغم من تفوّق الجيش السوداني بامتلاكه دبابات وطائرات مقاتلة، إلا أن هذا التفوّق لن يكون فعالاً في المعارك الناشبة في شوارع المدن والأحياء، التي تمتلك قوات الدعم السريع خبرة كبيرة فيها، كونها مليشيات خاضت حروباً دامية في إقليم دارفور وارتكبت جرائم كثيرة. كما أن الحروب التي خاضها الجيش في جنوب السودان استمرت نحو 20 عاماً، وانتهت بانفصال الجنوب، وامتدت الحرب في دارفور ما يقارب سبع سنوات. وربما تتجاوز إرهاصات الحرب الدائرة ما أفرزته الحروب السابقة في السودان، بالنظر إلى أن قوات الدعم السريع، كانت في الأساس مليشيات مسلحة أوجدها نظام البشير، بناء على قواعد عِرقية، وارتبطت بواقع مناطقي وجهوي معقّد، ووظفها في خدمة تمزيق النسيج المجتمعي في تلك المناطق، ثم أضحت تسيطر على قطاعاتٍ اقتصاديةٍ هامة، خصوصا بعد الانقلاب على السلطة المدنية في 2021، وتقوم بنشاطات تجارية يغلب عليها طابع المافيات والعصابات، وتنافس القطاعات والاحتكارات التي يمتلكها الجيش السوداني أسوة بجيوش عربية أخرى تشبهه.

وبالنسبة للقوى المدنية، بما في ذلك الأحزاب والنقابات المهنية، وخصوصاً الموقّعة على الاتفاق الإطاري، فإنها تجد نفسها في مواجهة وضع غير مسبوق، إذ ليس الصراع بينها وبين العسكر الانقلابيين، بل بين طرفين عسكريين تحالفا وقادا انقلاب 2021، وعملا على عرقلة الانتقال الديمقراطي بعد إسقاط نظام عمر البشير. لذلك هي لا تملك سوى صوتها الداعي إلى وقف المعارك وحل الخلافات عن طريق الحوار، ولا تلاقي دعواتها آذاناً صاغية من المتحاربين، ما يضعها في موقفٍ ضعيف، حيث لا يمكنها التأثير في مجريات الأحداث، وتسعى إلى الاحتماء كي لا تطاولها نيران المعارك الدائرة.

بالنظر إلى ما تقدّم، لن تفضي مآلات صراع العسكر على السلطة في السودان، في المنظور القريب، إلى حسم سريع، ينهي ازدواجية السلطة، المتمثلة بوجود قوتين مسلّحتين مستقلتين عن بعضهما، وحسمها لصالح أحد الطرفين. وبات السؤال يطاول المدّة التي يستغرقها الوصول إلى الحسم، وحجم تكلفته البشرية والمادية، وربما يفضي تعذّره إلى تدخّل قوى إقليمية ودولية بهدف التوصل إلى تسوية بينهما، وبما يعني تجميد الوضع القائم بانتظار تفجّره من جديد، لكن أيّاً كانت مآلات هذا الصراع الدموي، فإن نتائجه ستكون وخيمة على مستقبل السودان وناسه ووحدته، وعلى الآفاق التي فتحتها الثورة السودانية في ديسمبر/ كانون الثاني 2018. وبالتالي، ستتبدّد آمال السودانيين المعقودة على تخلّي العسكر عن السلطة، وتسليمها للمدنيين بحسب الاتفاق الإطاري الذي وقّعته الأطراف في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

المصدر: العربي الجديد.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".