د.
وائل نجم
مساء
السبت 26 يناير/ كانون الثاني 2025 تنتهي مهلة الشهرين على وقف إطلاق النار بين حزب
الله في لبنان وجيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي كانت بدأت صباح 27 نوفمبر/ تشرين الثاني
من العام 2024، وتضمّنت من ضمن البنود التي وردت في الاتفاق انسحاب جيش الاحتلال من
الأراضي والقرى اللبنانية التي احتلها، مقابل خروج مقاتلي حزب الله من منطقة جنوب نهر
الليطاني الحدودية والمحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، وانتشار الجيش اللبناني وقوات
حفظ السلام "اليونيفيل" في هذه المنطقة.
قبل
ساعات من انتهاء فترة الشهرين أشارت تصريحات إسرائيلية عن نيّة "إسرائيل"
البقاء لفترة أطول في القرى والأراضي المحتلة من الجنوب بذريعة أنّ انتشار الجيش اللبناني
واليونيفيل كان بطيئاً ولم يكن بالسرعة المطلوبة، وبالتالي فإنّ مقاتلي حزب الله ما
زالوا يتمركزون في بعض المناطق التي لم ينسحبوا منها وبالتالي لم ينتشر فيها الجيش
اللبناني بعد.
في
المقابل شدّد المسؤولون اللبنانيون على ضرورة إنجاز الانسحاب قبل الموعد المحدد، ورفضوا
التذرّع بهذه الذرائع والحجج، وألقوا باللائمة على قوات الاحتلال التي أخّرت وأعاقت
انتشار الجيش واليونيفيل بسبب عمليات التجريف والتفجير التي قامت بها في العديد من
القرى والبلدات الجنوبية بعد وقف إطلاق النار.
أمّا
حزب الله فقد اعتبر "أي تجاوز لمهلة الـ 60 يوماً يُعتبر تجاوزاً فاضحاً للإتفاق
وإمعاناً في التعدي على السيادة اللبنانية ودخول الاحتلال فصلاً جديداً يستوجب التعاطي
معه من قبل الدولة بكل الوسائل والأساليب التي كفلتها المواثيق الدولية بفصولها كافة
لاستعادة الأرض وانتزاعها من براثن الاحتلال". بمعنى آخر، فقد ترك المعالجة
للدولة فيما لو لم ينسحب الإسرائيلي في الوقت المحدد، أي مساء 26 يناير، بينما كان
بعض مسؤوليه يهدّدون بأنّ الساعة الأولى من يوم الـ61 ستكون مختلفة حتى كاد البعض يخشى
من عودة الحرب والقتال كما كان خلال الشهرين الأخيرين اللذين سبقا وقف إطلاق النار.
من
الواضح أنّ كلّاً من الإسرائيلي وحزب الله لا يريد العودة إلى الحرب التي كانت مشتعلة،
أو ربما لم يعد أيّ منهما يحتمل عودتها واستمرارها بالشكل التي كانت عليه؛ غير أنّ
الإسرائيلي الذي ظهر بمظهر المنتصر بعد وقف إطلاق النار، واستطاع أن يسوّق "نصره"
من خلال الهيمنة التي استمر فيها واكتشف خلالها صمت حزب الله على انتهاكاته وفسّر ذلك
على أنّه ضعف في بنية الحزب، وبالتالي عدم قدرته (الحزب) على القيام بأيّ شيئ يغيّر
المعادلة الحالية بعد وقف إطلاق النار، أغرى الإسرائيلي برفع الوتيرة، ومحاولة التملّص
من الاتفاق وبالتالي التملّص من الانسحاب، خاصة في ظلّ الواقع الإسرائيلي المستجد بعد
التوقيع على وقف إطلاق النار في غزة، والذي أظهر الإسرائيلي مهزوماً أمام المقاومة
الفلسطينية، فأراد أن يعوّض ذلك في لبنان من خلال التمسّك بالأرض وعدم الانسحاب لإظهار
صورة النصر مجدّداً أمام الرأي العام الإسرائيلي، وحكومة الاحتلال الإسرائيلي الحالية
تحتاجها؛ كما أغراه بمزيد من الضغط لاستكمال تحقيق أهداف خفيّة تتصل ببنية النظام في
لبنان، وربما ببنية نظام المنطقة كلّها أيضاً.
من جهته اكتشف حزب الله حجم الخسارة التي مني بها،
خاصة بعدما فوجئ أيضاً بإسقاط الثورة السورية للنظام المخلوع والذي كان يُعدّ عمقاً
حيوياً للحزب، وبالتالي بات يدرك أنّ فتح الجبهة كما في السابق ليس سهلاً ولا متاحاً
بعد توقيع وقف إطلاق النار، بقدر ما يدرك أيضاً أنّ الإسرائيلي ليس بمقدوره، بعد هزيمته
في غزة، شنّ عمليات عسكرية واسعة النطاق على لبنان كما في فترة الحرب، وبالتالي فإنّ
المرحلة المقبلة تقتضي منه الصبر والانتظار والكمون والحفاظ على ما تبقّى من قدرة ودور،
خاصة في الداخل اللبناني، بانتظار متغيّرات إقليمية أو دولية جديدة تعيد إنتاج المشهد
من جديد.
بعد
انقضاء مهلة الـ60 يوماً قد يُبقي جيش الاحتلال الإسرائيلي على بعض المواقع في جنوب
لبنان، وهذا لن يزعج حزب الله على الإطلاق، لأنّه سيعطيه مشروعية للبقاء وامتلاك السلاح
ولو لم يمارس في المرحلة الأولى عملاً مقاوماً ضد تلك المواقع، بالنظر إلى حجم الجراح
التي أصيب بها، وبالنظر إلى الواقع الذي صار فيه لبنان بعد الحرب، لكنّه (الحزب) سيظلّ
يركّز على مسؤولية الدولة في طرد الاحتلال، ويلوّح بين الفترة والأخرى باللجوء إلى
القوّة لطرده، غير أنّ كلّ اهتمامه سيكون منصبّاً على الداخل للحفاظ على ما بقي من
منجزات، والمراكمة عليها بانتظار يوم جديد تسمح فيه الظروف بتعويض الخسائر.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".