ما بعد إسرائيل!
أيار 29, 2024

د. وائل نجم

ربما يستغرب البعض العنوان، "ما بعد إسرائيل". نعم يستغرب البعض ذلك لأنّه لم تدر في خُلْد البعض منّا فكرة انتهاء وزوال "إسرائيل" على اعتبار أنّها دولة تملك من جبروت الآلة العسكرية والدعم الغربي المفتوح ما يحفظ بقاءها واستمرارها على حساب العرب وفي مقدمهم الفلسطينيين.

غير أنّ الفلسطينيين قلبوا المعادلة، وغيّروا مسار الأحداث، وما لم يكن متوقعاً يوماً بات في حكم الواقع حالياً، وما لم يكن يصدّقه عقل بات واضحاً أمام أعيننا وليس عقولنا فحسب.

في معركة "طوفان الأقصى" سدّدت المقاومة الفلسطينية ضربة قاضية لكيان الاحتلال الإسرائيلي في أبرز مفصلين له. الهجرة اليهودية إلى فلسطين حيث صارت معاكسة لأنّ فلسطين لم تعد بيئة آمنة لهم. والقلعة العسكرية القوية التي كانت تحمي مصالح الغربيين إجمالاً باتت بحاجة إلى حمايتهم وتواجدهم المباشر في المنطقة. إذاً فقدت "إسرائيل" الدور الوظيفي الذي أُنشئت من أجله وهو استيعاب اليهود واستخدامهم، وكقاعدة وقلعة عسكرية للغرب تكون بمثابة العصا الغليظة التي تؤدّب بها أيّ نظام أو دولة أو قوّة في المنطقة تخرج عن الطوع الغربي الذي تمثّله أميركاً حالياً.

وعندما تفقد "إسرائيل" الدور الوظيفي لها، فإنّ راعيها أو مُنشئها سيعمل على إعادة هذا الدور لها، وهو ما أشار إليه الرئيس الأمريكي خلال زيارته للمنطقة بعد معركة طوفان الأقصى إذ قال يومها : " لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها". بمعنى آخر سنعمل على إعادة دورها الذي تصدّع بضربة "طوفان الأقصى". وقد حاولت "إسرائيل" وبغض نظر، بل بدعم غربي وأمريكي مفتوح، استعادة هذا الدور من خلال العدوان الهمجي على قطاع غزة، ومن خلال حرب الإبادة الجماعية الواضحة بحق الشعب الفلسطيني، ولكنّها على الرغم من قسوتها وجبروتها وارتكابها لأبشع أنواع المجازر لم تتمكّن من استعادة هذا الدور بفضل بطولات المقاومة الفلسطينية من ناحية، وصمود الشعب الفلسطيني واحتضانه لمقاومته ومجاهديه من ناحية ثانية على مدى قرابة ثمانية أشهر من العدوان المفتوح الذي لم يوفّر حجراً ولا بشراً ولا شجراً في غزة.

بهذا المعنى نعم يحقّ لنا أن نطرح "ما بعد إسرائيل"!.

عندما انتهى دور "إسرائيل" الوظيفي؛ وعندما فشلت هي ورعاتها في استعادة هذا الدور، فإنّ النقاش والبحث بدأ يدور في أروقة عواصم العالم المؤثّرة في مشهد المنطقة، "ماذا بعد إسرائيل؟". أو بمعنى آخر، كيف يكون شكل المنطقة بعد "إسرائيل"؟. ولعلّ الغرب عموماً قد شرع في النقاش والبحث عن إجابة لهذا السؤال، بل ربما يكون قد شرع في تنفيذ برامج وخطط كانت مجهّزة لديه لهذه اللحظة لأنّه بخبرته بالمنطقة كان يدركها ويحضّر نفسه لها.

على مقلبنا نحن في المنطقة، سيّما القوى التي ساهمت في صناعة نتائج "طوفان الأقصى" أن تبدأ أيضاً النقاش والبحث عن إجابة للسؤال ذاته، حتى لو بدا للبعض أنّ هذا الأمر سابق لأوانه، فتداعيات ونتائج معركة "طوفان الأقصى" قد تكون أسرع مما نتخيّل، وأكبر مما نتوقّع، والمستقبل لمن يستقرئه لا لمن ينتظره.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".