ما بعد اغتيال نصرالله!
تشرين الأول 01, 2024

د. وائل نجم

تخطّت إسرائيل كلّ الخطوط الحمر وقواعد الاشتباك بإلقاء ثمانين قنبلة متفجرات على الضاحية الجنوبية لبيروت مستهدفة الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، ما أدّى إلى اغتيال الرجل وإنهاء حياته. وترافق الإعلان عن عملية الاغتيال مع تسابق بين رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت كلٌّ منهما يريد أن ينسب "الفضل" في هذه الجريمة الغادرة التي قُتل فيها مع نصرالله قرابة ثلاثمئة مدني من سكّان الأبنية المحاذية والمجاورة للمكان المستهدف والتي سُوّيت بالأرض. اعترف حزب الله بالاغتيال والخسارة، ولكن، ماذا بعد؟

في خطابه الأخير الذي تحدّث فيه نصرالله عن تفجيرات أجهزة "البايجر" بعناصره ومنتسبي حزبه، اتهم إسرائيل بالعملية وأكّد على مواصلة جبهة إسناد المقاومة الفلسطينية من لبنان. وفي بيان نعي نصرالله أعاد حزب الله تأكيد مواصلة دعم وإسناد المقاومة الفلسطينية، ولكن في مقابل ذلك واصلت إسرائيل دكّ أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت بشكل شبه عشوائي يستهدف المدنيين بشكل رئيسي، فضلاً عن الجنوب حيث يجري تهجير السكان من المنطقة الحدودية بشكل تدريجي، والبقاع أيضاً. فيما حافظ حزب الله على وتيرة أداء كما لو أنّ الأمور لم تخرج عن إطارها المعهود ولم تتخطّ الخطوط الحمر المحرّمة. وهنا يبرز السؤال الذي يبحث عن إجابة، إلى متى حرب الإسناد بشكلها المعهود؟!

في الثامن من تشرين الأول / أكتوبر 2023 دخل حزب الله المواجهة مع إسرائيل من خلال الجبهة الجنوبية على قاعدة الإسناد والإشغال، وقد نظّر مسؤولو الحزب لذلك كثيراً، في حين كان نداء رئيس أركان القسّام، محمد الضيف، في رسالته التي أعقبت إطلاق معركة "طوفان الأقصى" فتح كلّ الجبهات بشكل واسع، ولعلّه كان يقصد في حينه بشكل أساسي جبهة لبنان لأنّ الجبهات الأخرى ساكنة أو خارج الحسابات.

لا شكّ أنّ جبهة إسناد غزّة قدّمت ما عليها من واجب، وأربكت وشغلت واستنزفت الإسرائيلي على مدى عام كامل تقريباً؛ بل ربّما صدّعت رأسه. كما وأنّ جبهة إسناد غزّة من جنوب لبنان دفعت ثمناً باهضاً على مدى عام؛ غير أنّ لحظة الحقيقة حانت وبدأت تدفع الثمن الأكبر الذي بات يهدّد بشكل جدّي الوجود والبقاء، خاصة وأنّ تصريحات قادة الاحتلال الإسرائيلي باتت واضحة بالحديث تارة عن تغيير النظام في لبنان، وتارة أخرى عن تغيير الشرق الأوسط، وفي أقلّ الحالات الحديث عن عدم القبول ببقاء حزب الله والعمل على اجتثاثه وإنهاكه حتى لا يعود قادراً على التأثير في الأحداث لعقود من الوقت.

ربما من المبكر الحديث إذا ما كانت إسرائيل ستسطيع ذلك أم لا! فالحزب ما زال يملك قوّة كبيرة، وقدرة لا يُستهان بها، وعمقاً كبيراً ومخزوناً بشرياً وعلى مستوى القادة يمكّنه من استيعاب الضربات المتتالية ومن ثمّ العودة إلى موقع الفعل والتأثير، ولعلّ ذلك سيكون رهناً بكيفية تعامله مع التطوّرات وسرعة التكيّف مع الواقع الجديد.

غير أنّ كلّ ذلك لا يلغي البحث عن إجابة سؤال، ماذا بعد؟!

ربما كان حزب الله يدرك أنّ الحرب الإسرائيلية على غزة ستختمها إسرائيل بحرب على لبنان، بغض النظر عن انتصارها أو خسارتها لحرب غزة، ومع ذلك حافظ على وتيرة معيّنة في المواجهات طيلة عام كامل تقريباً ولم يخرج عن قواعد الاشتباك حتى فرغت إسرائيل من حربها على غزة وفشلها في تحقيق أهدافها فاستدارت إلى لبنان تريد خلط الأوراق والوصول إلى واقع جديد، فإذا بها تنتقم من كلّ شيء وتسجّل إنجازات أعادت النشوة إلى قادتها، وكشفت عن نواياهم التي أكّدوا فيها أنّ التخطيط لاغتيال نصرالله أو الحرب على لبنان ليست وليدة الساعة، ولا ردّة فعل على جبهة الإسناد، إنّما من ضمن سياق وخطط كانوا قد وضعوها واستعدّوا لها سابقاً.

اليوم، محور إسناد غزة بحاجة إلى تفكير جدّي، وإلى إعادة مراجعة للمرحلة الماضية وطريقة مقاربة الأمور فيها، وعدم انتظار الدور الذي سيأتي على كلّ منهم فيما لو ظلّت الأمور على ما هي عليه من أسلوب وطريقة المواجهة، ولعلّ في تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين ما يثبت ذلك.

محور إسناد غزّة بات بعد اليوم بحاجة إلى الانخراط بشكل مختلف في المواجهة من أجل الحفاظ على قوّة الردع والتوازن، وإلاّ فإنّ إسرائيل ستستفرد بكلّ فصيل بل وربما بكل دولة على حدة، وعندها سيذكر الجميع المثل القائل : "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".