د. وائل
نجم
نفّذت
دولة الاحتلال الإسرائيلي تهديدها بضرب إيران ردّاً على الضربة الصاروخية
الإيرانية في الأول من تشرين الأول والتي كانت ردّاً على قيام دولة الاحتلال
باغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنيّة في طهران في 31 تموز الماضي،
واغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله في بيروت يوم 27 أيلول الماضي.
استهدفت
الضربة الإسرائيلية فجر السبت مقرّات للحرس الثوري الإيراني ومنشآت عسكرية إيرانية
لها علاقة بالبرنامج الصاروخي الإيراني، ولم يُعرف على وجه الدقّة إذا كانت الضربة
أصابت أهدافها بدقّة لأنّ إيران تحدّثت عن إحباط الهجوم والتصدّي للطائرات التي
تولّت الهجوم. أعلنت دولة الاحتلال أنّ الضربة انتهت وحقّقت هدفها، فيما تحدثت
وكالات أنباء إيرانية شبه رسمية (تسنيم) عن استعداد إيراني للردّ على الضربة
الإسرائيلية ولم تتحدّث عن ضربة مؤكّدة.
بالعودة
إلى التهديدات والتهديدات المضادة فقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة
البيت الأبيض على تخفيض سقف التهديدات الإسرائيلية حتى لا تندفع دولة الاحتلال نحو
استهداف المواقع النووية أو النفطية الإيرانية والاكتفاء بضرب قواعد عسكرية ربما
تكون غير مهمّة بشكل كبير، وهذا ما حصل بالفعل فجر السبت وأثبت أنّ حكومة الاحتلال
إلتزمت بشكل حرفي أو شبه حرفي بالتعليمات الأمريكية ولم تجرؤ على تخطيها والقيام
بضرب منشآت نووية أو نفطية. ماذا بعد الهجوم؟
إيران
توعّدت بالردّ على أيّة ضربة إسرائيلية وجرى الحديث عن تجهيز قرابة ألف صاروخ
بالستي وأنّ الأوامر أعطيت للجهات المعنيّة بالردّ، غير أنّ ذلك ظلّ مرتبطاً بحجم
الضربة الإسرائيلية ونوعية الأهداف التي ستستهدفها دولة الاحتلال؛ بمعنى آخر ظلّ
الباب مفتوحاً لإمكانية الحلول الدبلوماسية لما يجري في المنطقة.
الآن وقد
حصلت الضربة الإسرائيلية، ومن الواضح أنّها تجنّبت المواقع النووية والنفطية
الإيرانية، وأنّ تأثيرها محدود بشكل عام، فهل يُفتح باب الحلول الدبلوماسية للحروب
المندلعة في المنطقة؟
فيما
يتعلّق بالحروب المندلعة في المنطقة بات واضحاً أنّ دولة الاحتلال فشلت في القضاء
على المقاومة الفلسطينية في غزة كما فشلت في استعادة الأسرى، وإن كانت قد تمكّنت
من تدمير جزء كبير من غزة بشكل كامل، وحقّقت إنجازات تكتيكية باغتيال قيادات في
المقاومة كما في حالة اغتيال هنيّة واستشهاد السنوار في الميدان. كما فشلت دولة
الاحتلال في تحقيق ما وعدت به في حربها على لبنان، فهي وعلى الرغم من تحقيق
إنجازات تكتيكية من قبيل اغتيال قيادات في حزب الله وتفجير البايجر وغيرها، إلاّ
أنّ ذلك لم يكسر حزب الله الذي ظلّ صامداً في الميدان خاصة في القرى الحدودية
الجنوبية وتمكّن من صدّ الهجمات المتلاحقة لقوات النخبة الإسرائيلية وألحق بها
خسائر فادحة حيث اعترفت دولة الاحتلال قبيل ساعات بمقتل عشرة ضباط وجنود في يوم
واحد، كما تمكّن أيضاً من الحفاظ على عملية إطلاق الصواريخ تجاه المواقع العسكرية
الإسرائيلية انطلاقاً من الحدود وصولاً إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما
في ذلك استهداف منزل نتنياهو في مدينة قيساريا. وبالتالي فإنّ دولة الاحتلال فشلت
في القضاء على حزب الله، وفي إعادة المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلة، وبالتالي
تحوّلت المواجهات اليومية إلى حرب استنزاف بشرية واقتصادية ومعنوية بالنسبة لدولة
الاحتلال، ولذلك بات التفكير جدّياً في ضرورة وقف الحرب وهو ما عبّر عنه رئيس هيئة
الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي الذي قال إنّ الجيش اقترب من وقف الحرب في
الشمال. بمعنى آخر بات البحث يجري عن وقف الحرب بشكل جدّي.
الولايات
المتحدة الأمريكية لا تريد توسّع الحرب في المنطقة العربية لاعتبارات خاصة بها
وبمصالحها وخططها؛ وإيران لا تريد توسّع الحرب لاعتبارات تتعلّق بدورها ومصالحها
والحفاظ على حلفائها في هذه المرحلة؛ ودولة الاحتلال بات واضحاً أنّها عاجزة عن
دخول حرب إقليمية مع إيران من دون الولايات المتحدة الأمريكية، وعاجزة أيضاً عن
تحقيق أهدافها في غزة ولبنان لثبات الميدان؛ والمجتمع الدولي بات يتذمّر من سياسة
دولة الاحتلال في مسألة التدمير والتهجير وسفك الدماء من ناحية، وللغطرسة
الإسرائيلية وأطماعها بالسيطرة على المنطقة كلّها وهو ما يتنافى ويتعارض مع مصالح
هذا المحتمع ودوله، وهذه اعتبارات كافية لعدم الاندفاع خلف نتنياهو في كل ما يريد
ولعلّ أبلغ موقف حيال ذلك هو الموقف الفرنسي الذي نظّم مؤتمراً لدعم لبنان قبل
يومين. لكلّ ذلك فإنّ الباب الآن بات مفتوحاً، ولأول مرّة منذ سنة تقريباً، على
حلّ دبلوماسي ينهي الحرب ويوقفها.
خلال
الأيام الأخيرة شهدنا إعادة فتح وتفعيل ملف الأسرى في غزة ووقف إطلاق النار وقد
حضر وفد من حماس إلى القاهرة لهذه الغاية بينما زار رئيس "لموساد"
العاصمة القطرية الدوحة لهذه الغاية. كما شهدنا زيارة المبعوث الأمريكي إلى لبنان
من أجل تطبيق القرار 1701 وهو قد يعود مرّة ثانية حاملاً إجابات إسرائيلية على
الالتزام اللبناني بتطبيق القرار. وإيران قد تؤجّل ردّها الذي تهدّد به إذا ما
لمست نيّة أمريكية جدّية بالضغط على دولة الاحتلال من أجل وقف النار في غزة ولبنان
ووقف دوامة القتل وسفك الدماء، وعليه فإنّ المنطقة لأول مرّة منذ سنة أمام احتمال
توقّف الحرب وتجنيب المنطقة حرباً إقليمية واسعة.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".