منير الربيع.
لا يمكن التغافل عن أهمية المقاربة
التي قدّمها أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، للاستحقاقات الداخلية. ثلاث نقاط
أساسية لا بد من التوقف عندها. أولها، غياب الاهتمام الخارجي الجدي والتفصيلي بالملف
اللبناني، وأن هناك مبالغات في الحديث عن أدوار ومبادرات خارجية. ثانيها، التركيز على
ضرورة التوافق الداخلي، المرتكز على الحوار للوصول إلى تفاهم على انتخاب رئيس. وثالثها،
يتعلق بالمواصفات التي وضعها لرئاسة الجمهورية، من خلال المطالبة برئيس لا يطعن المقاومة
بالظهر. وهي تعني الانفتاح على مقاربة كل الخيارات، ولكن من منطلق سياسي واضح بالنسبة
إلى الحزب.
إلى جانب هذه النقاط، ثمة نقطة أساسية
أثارها نصرالله حول العلاقة مع التيار الوطني الحرّ، والتي يتركز الخلاف فيها على مقاربة
الاستحقاق الرئاسي. فكان نصرالله واضحاً في توجيه الكلام للتيار بأنه لا يريد التخلي
عن التحالف معه، ولكنه في المقابل لن يخضع للابتزاز، ولا داعي بحال حصل اختلاف بين
الطرفين، أن يلجأ رئيس التيار إلى إثارة ذلك في الإعلام.
الغموض يسيطر
من وحي كلام نصرالله، وتركيزه على الحوار
الداخلي، يمكن القول إن انجاز الاستحقاق لا يزال متأخراً، طالما أن إرادة اللبنانيين
حول التوافق غير متوفرة. من هنا يبقى الغموض هو الذي يلف مصير كيفية انتخاب الرئيس.
فبالنظر إلى توزّع القوى في مجلس النواب والارتباطات الخارجية لكل طرف، سيكون هناك
احتمالات متعددة. إما خيار انتخاب رئيس يكون واضحاً في تمثيله لطرف سياسي، كتكرار لسيناريو
العام 2016، وبالتالي الاتجاه نحو انتخاب سليمان فرنجية.. ولكن هذا يحتاج إلى تصويت
من القوات اللبنانية أو من التيار الوطني الحرّ. وإما توافر مقومات توافق دولي على
شخصية توافقية. وهذا أيضاً سيكون بحاجة إلى أصوات إما التيار الوطني الحرّ أو القوات
اللبنانية.
فأي شخص يريد الوصول إلى رئاسة الجمهورية
هو بحاجة إلى أصوات إحدى الكتلتين المسيحيتين الأكبر، إما القوات اللبنانية أو التيار
الوطني الحرّ. وبالتالي، من هنا يبرز السؤال حول ما الذي يدفع إحدى هاتين الكتلتين
إلى التصويت على أي من المرشحين؟ لا بد لذلك أن يرتبط باتفاقات خارجية، معطوفة على
اتفاقات داخلية بين القوى. ولكن من الذي سيكون قادراً على حياكة مثل هذا النسيج الداخلي
والإقليمي والدولي؟ في ظل هذا النقاش النظري القائم، يبقى غياب مثل هذه الشخصية عن
الساحة العلنية قائماً. ما يبقي ملف الرئاسة في إطار الأفكار وعدم الوصول إلى الجانب
العملي.
ثمن الترسيم
جزء أساسي مما قاله أمين عام حزب الله
فيه الكثير من الدقة، حول عدم توفر المساعي الجدية خارجياً لانتخاب رئيس جديد. ومما
انطوى عليه موقفه من دون شكل علني، هو ضرورة إقدام الدولة على حماية ما تحقق في ملف
ترسيم الحدود. وهذا يعني الذهاب إلى تسوية سياسية قادرة على الإنقاذ، كثمن أساسي للترسيم.
حتى الآن، لا يزال حزب الله يتمسك بترشيح
سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، لكنه يبقي الباب مفتوحاً على خيارات أخرى، إلا أن
اللحظة الجدية للبحث في هذه الخيارات لا بد لها أن تكون مرتبطة بالوصول إلى تفاهم حول
آلية الإنقاذ. أي إلى أن يأتي الخارج ويوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، معزز بخطة
دعم اقتصادي خارجي، وفي الوقت نفسه لا يكون صدامياً مع الحزب.
ثمة من يعتبر أن المعادلة التي وضعها
نصرالله تفتح الباب أمام مجال أوسع للمشاورات، والوصول إلى تقارب بين الأفرقاء حول
شخصيات متعددة، وأن الحزب لن يكون عائقاً أمام التوافق. خصوصاً أن الشرط الذي وضعه
فيه الكثير من المرونة، ويفتح الآفاق أمام نقاش جدي حول إنتاج تسوية.
بناء عليه، فإن لبنان مرشح للاستمرار
في حالة الفراغ التي يعيشها، على وقع ترف الصراع بين القوى المختلفة حول ملفات تفصيلية
لتعبئة الوقت والفراغ السياسي القائم.
المصدر: المدن.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".