د. وائل نجم
المنطقة العربية تقف اليوم على مفترق طرق يمكن أن يحدّد
مصيرها ومستقبلها لنصف قرن أو أكثر من الزمان، والنوايا الإسرائيلية بتغيير النظام
في هذه المنطقة لم تعد خافية على أحد، فهذا بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة
الإسرائيلية يعلن بعد تحقيق بعض الإنجازات
التكتيكية في حربه على لبنان عن اعتزامه تغيير النظام في هذا البلد كمقدّمة لتغيير
نظام المنطقة كلّها؛ وهذا وزير ماليته سموتريتش يعلن من فرنسا عن نيّة إقامة
"إسرائيل الكبرى" الممتدة بين نهري النيل في مصر والفرات في العراق،
شاطباً من الخريطة كلّاً من: فلسطين، سوريا، الأردن، وأجزاء من تركيا، مصر،
السعودية، الكويت، السودان والعراق؛ وهذه الوثائق التي باتت تتكشّف تباعاً وتفضح
أهداف الحرب على غزة ولبنان حيث السعي لطرد الفلسطينيين من غزة إلى سيناء وإلى أيّ
مكان آخر في العالم بعد ذلك، ولاحقاً طردهم من الضفة الغربية إلى الأردن.
أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان وربما غداً على
سوريا وغيرها من دول الجوار باتت واضحة ولم تعد بحاجة إلى منجّمين ومحلّلين
وخبراء. الهدف الرئيسي هو السيطرة والهيمنة على المنطقة العربية ومصادرة قرارها
وإخضاعها للإرادة الإسرائيلية إذا تحقّق لحكومة إسرائيل الظفر بهذه الحرب. ولكن
السؤال، هل للعرب، وهنا أتحدث عن الحكومات والأنظمة، هل لهم مصلحة بأن تصبح
إسرائيل سيّدة المنطقة المطلقة التي تأمر فتُطاع؟
رئاسة نتنياهو
لحكومة إسرائيل لن تدوم إلى الأبد، بل الرجل يمكن أن يمثل أمام القضاء الإسرائيلي
في أول لحظة لتوقّف الحرب؛ والفاعلون الرئيسيون في إسرائيل اليوم هم المنتمون إلى
التيارات القومية والدينية المتطرّفة التي ترى في الناس التي تملأ المحيط الجغرافي
مجرد "غوييم" (حيوانات بشرية خُلقت لخدمتهم)، وحشرات يمكن الدوس عليها
في أيّة لحظة دونما أن يهتزّ ضمير أو وجدان لديهم إن وُجد!. ومستقبل إسرائيل
السياسي وكما يبدو من خلال نتائج الانتخابات على مدى العقود الأخيرة يقع بيد هؤلاء
المتطرّفين أكثر فأكثر، وبالتالي فإنّهم سيكونون صنّاع القرار في دولة إسرائيل
المستقبل، والقادة الذين يتخذون القرارات فيها، وهنا لنا أن نتخيّل كيف سيدير
"بن غفير" و"سموتريتش" وأضرابهم من المتطرفين القومين
والدينيين "إسرائيل الكبرى" فيما لو تمّ لهم السيطرة وإخضاع ما بين
النيل والفرات! هل سيكون للملوك والرؤساء والأمراء قيمة بنظرهم وهم الذين سيجدون
أنفسهم في أعلى قمّة القوّة والزهو؟ هل سيتركون للملوك والرؤساء والأمراء فرصة
للتمتّع بالمال والثروات؟ أم ترى يرونهم كما يرون بقية الشعوب العربية
"غوييم"؟! وبالتالي لا يستحقّون هذا الاستمتاع بالثروة والسلطة والملك فيعملون
على مصادرة أموال وثروات الرؤساء والملوك والأمراء وكل مَن وما يقع تحت يديهم؟
إنّ ما يجب أن يدركه الملوك والرؤساء والأمراء قبل غيرهم
من عامّة الناس أنّهم سيكونون أول ضحايا إسرائيل فيما لو تمّ لها السيطرة على
المنطقة، لأنّها ببساطة ترى أنّهم لا يستحقّون هذه الثروات وهذا النعيم والملك
والسلطة، ولا يعرفون إدارته واستغلاله، وبالتالي لا ينبغي أن يكون بين أيديهم.
وإذا ما سلّمنا جدلاً أنّها ستبقيهم في مناصبهم ملوكاً ورؤساء وأمراء، لكنّها
ستعاملهم معاملة العبيد وستكون معهم كما كان "كافور الإخشيدي" مع الشاعر
"المتنبّي" حتى قال فيه: "وَأَنَّ ذا الأَسوَدَ المَثقوبَ
مِشفَرُهُ تُطيعُهُ ذي العَضاريطُ الرَعاديدُ، جَوعانُ يَأكُلُ مِن زادي
وَيُمسِكُني لِكَي يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقصودُ".
إنّ مقاومة غزّة ولبنان اليوم، وبغض النظر عن الموقف من
المقاتلين فيها، هي بحقّ مقاومة تدافع عن مصير الأمّة والمنطقة حتى لا تقع بأيدي
بن غفير وسمتوتريتش ونتنياهو وأمثالهم، وحتى لا يتحوّل عموم الناس فيها من عامّة
وملوك ورؤساء وأمراء ووزراء إلى مجرد حيوانات تستحق الموت والدهس كما قال يوماً
وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت عن أهل غزة.
ربما يعمل البعض حساباً للولايات المتحدة الأمريكية
الداعم الرئيسي لإسرائيل، ولكن حتى الولايات المتحدة لا تريد إسرائيل أن تكون
"كبرى"، تريدها قاعدة متقدمة تستعملها عند الحاجة لدور وظيفي تريده،
وبالتالي فإنّ الفرصة ما تزال قائمة ومتوفّرة لموقف يوقف هذا الوحش الهائج ويضع حدّاً
لتوحّشه وطغيانه قبل أن يستفحل ويهيمن على المنطقة ويضع يده على ثرواتها ويضع
حدّاً لملوكها ورؤسائها وأمرائها ومسؤوليها وعامّتها حينها لن يكون من السهولة
الخروج من تلك القبضة، وحينها لن ينفع البكاء على أطلال القصور والممتلكات.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن
"آفاق نيوز".