وائل نجم
الأسبوع الماضي أقرّت الحكومة
مشروع الموازنة للعام 2022 وأحالته إلى المجلس النيابي وفقاً لما صرّح به وقاله رئيس
الحكومة نجيب ميقاتي ردّاً على ما صرّح به بعض الوزراء من أنّ الموازنة لم تُقرّ، ولم
يتمّ التصويت عليها في مجلس الوزراء، وأنّما جرى تهريبها بطريقة عجيبة غريبة.
لا أريد التوقّف عند هذا
الكلام على أهميته لأنّه يكشف طريقة تعاطي السلطة مع بعضها من ناحية ومع المواطنين
والناس من ناحية ثانية، وفي ذلك استخفاف ببعضها من ناحية وبالمواطنين والقوانين من
ناحية ثانية، وهذا قد يكون له كلام آخر في وقت لاحق، كما وأنّ المجلس النيابي في جلساته
لمناقشة مشروع الموازنة وإقراراه أو رفضه لها سيكشف مَن مِن القوى السياسية سيكون مع
مشروع الموازنة دون تحفّظ ومن سيكون ضدّه دون خوف أو قلق، ومن سيلوذ بالصمت ويقف على
التلّة ليرى من سيفوز ويقف إلى جانبه في النهاية.
إنّما سأقف عند دعوة رئيس
الحكومة نجيب ميقاتي في ختام جلسة إقرار الموازنة المواطنين إلى الصبر وإلى التحمّل
وإلى عدم إظهار أيّ اعتراض على كل ما جرى. لقد لخّص مفهومه لعلاج أزمات الدولة بقوله
للمواطنين : "بدنا نتحمّل بعض".
هل هكذا تُدار الدول والمؤسسات
والمجتمعات على طريقة "غنّيلي ت غنّيلك" أو "حكّلي ت حكّلك"، أم
على طريقة صناعة الخطط والبرامج الجادّة والحقيقية التي تضع النقاط على الحروف وترسم
مستقبل الدولة والمجتمع من إقرار مشاريع حقيقية وجدولة تنفيذها بعد توفير التمويل اللازم
لها بعيداً عن المواطنين المكتوين بنار الغلاء والباحثين عن حلول لأزماتهم حتى في مستوعبات
النفايات!
هل هكذا تعالج الأزمة الاقتصادية
والمعيشية ويتم بناء الدولة ومؤسساتها عن طريق المحاصصة وتبنّي نهج الفساد من جديد.
مَن مِن اللبنانيين لم
يسمع في الجلسة ذاتها عن خلافكم على التعيينات العسكرية وكيف خرج رئيس الجمهورية للإعلام
يلقي اللوم على بعض الوزراء الذين لم يقدّموا اسماً لتعيينه في منصب مساعد مدير عام
جهاز أمن الدولة؟ مَن مِن اللبنانيين لم يسمع عن شجاركم وخلافكم على خطة الكهرباء التي
لم تُقرّ بعد والتي ضمنّها الوزير تغيير عدادات المشتركين على نفقتهم الخاصة، وهي بكل
صراحة صفقة موصوفة تريد سرقة ما تبقّى في جيوب اللبنانيين من أموال، والحديث يطول ويطول
كثيراً عن كل ذلك.
مَن له قدرة على التحمّل
أكثر، المواطن المفلس أم الدولة المنهوبة؟ مَن واجبه أن يتحمّل أكثر المواطن الذي يريد
استرجاع حقوقه المسلوبة والموقوفة في المصارف أمّ الدولة التي نهبها من يتقاذف الاتهامات
في وسائل الإعلام وعلى رؤوس الأشهاد؟
دولة الرئيس المواطن لم
يعد له طاقة أو قدرة على التحمّل، ولم يعد يجد ما يحمّل به هذه الطبقة السياسية المسؤولة
عن كل ما وصل إليه، ولذلك هو غير معني بالدعوة إلى التحمّل، ربما الدولة التي تديرها
وتشرف على مؤسساتها معنيّة أكثر بالتحمّل ولا أدري إذا كان لها القدرة على ذلك، وأسأل
هنا، هل تتحمّل وزارة الطاقة أن يقول المواطن لجابي الكهرباء مثلاً "تحملنا شوي
ما معنا ندفع"؟ هل تتحمل وزارة الاتصالات أن يقول المواطن لمكاتب بيع بطاقات الاتصال
"خونا بحلمكم لآخر الشهر"؟ هل تتحمّل وزارة الداخلية سائقاً لم يدفع رسوم
السير المتوجبة عليه؟ هي أسئلة كثيرة لا تُعدّ ولا تحصى، والإجابة واحدة على كلّ تلك
الأسئلة، بالطبع الدولة لا يمكنها أن تتحمّل المواطنين، فكيف سيتحمّل المواطن؟!
الحلّ هو في إعادة ما نُهب
للدولة من أموال، وإعادة ما سُرق من الناس للناس، وعندها لا نحتاج إلى هذه المقولة،
عندها سيكون لدى الدولة ولدى المواطن الفائض الذي سيكون مستعداً كل الاستعداد لصرفه
حيث يمكن أن يعزز مسيرة الدولة والجتمع.
دولة الرئيس كل ما نحتاجه
في هذا البلد هو دولة حقيقية تكسب ثقة المواطن قبل أن تقول له "نتحمّل بعض"
وعندها ستجد أنّ الناس ستتحمّل الدولة وتحميها أيضاً.