سامح راشد
أصيب الإعلام المصري بارتباك إزاء زيارة
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، القاهرة الأربعاء الماضي، فقد جاءت تغطياتها الإعلامية
محايدة وخبرية تماماً، وغاب عنها التقييم والتوصيف والنمط التوجيهي الذي ظلّ أعواماً
يميز المعالجة الإعلامية للعلاقة مع تركيا، والانتقادات الحادّة والأوصاف القاسية وغير
اللائقة التي ظلّ هذا الإعلام يستخدمها مراراً عند تناول القضايا والتطورات الإقليمية
التي تتقاطع فيها المصالح والحسابات المصرية التركية.
كان على وسائل الإعلام المصرية الانتباه
إلى التغيّر التدريجي الحاصل في معادلات العلاقة مع تركيا، فالمصالحة ليست وليدة اللحظة،
وإنما بدأت المشاورات والتواصل بين الدولتين قبل أكثر من عامين. على خلفية وصول دوائر
القرار في أنقرة والقاهرة إلى قناعة بأن مساحات التفاهم أوسع من مساحة الاختلاف، وأن
البلدين يشتركان في كثير من أوجه المصلحة ومصادر التهديد. لكن الواضح أن التناول الإعلامي
لما بات معروفاً ومؤكداً ليس تلقائياً أو قراراً مهنياً. وإنما لا بد من انتظار التعليمات
واتّباع التوجيهات التي تأتي بكل تفاصيل ما يجب وما لا يجب، قولاً وفعلاً، صمتاً أو
صوتاً، وهو نمط مثير للدهشة في ظل شيوع وسائط التواصل الاجتماعي التي لم تعد تترك شيئاً
إلا وتبثه مُحمّلاً بتقييمات المغرّدين والمتصفّحين والمتردّدين عليها وتوجّهاتهم،
حتى أصبح هناك بالفعل "رأي عام إلكتروني" يعبّر عن تلك الشريحة الواسعة من
مرتادي الفضاء الإلكتروني في المجتمع.
ولو أحسن الإعلاميون ومن يحرّكونهم
قراءة الأحداث لأدركوا سريعاً أن التقارب بين مصر وتركيا مفيد وضروري للدولتين، ومن
ثم هو حتمي وإن تأخّر، وهي الحسابات نفسها التي تنطبق على العلاقات التركية الخليجية،
غير أن التقارب التركي الخليجي ينطلق بشكل أكبر من مرتكزات اقتصادية، مع وجودٍ معتبرٍ
للدوافع السياسية والأمنية المتعلقة بالتنافس على النفوذ الإقليمي بين تركيا وإيران،
وبحث دول الخليج عن بدائل أمنية واستراتيجية بديلة للمظلّة الأميركية عديمة الجدوى.
وبالنسبة لمصر، الدوافع السياسية والاستراتيجية
هي المحرّك الأساسي للتقارب، خصوصاً أن العلاقات الاقتصادية، سيما التبادلات التجارية
بين القاهرة وأنقرة، ظلت قائمة خلال فترة الفتور في العلاقات، وإنْ كانت بوتيرة أقل.
ولكن يبدو أن ثمّة توافقاً بين البلدين على إلحاق المنافع الاقتصادية بركب التوافق
الاستراتيجي، حيث تجري حالياً دراسة لإمكانية تسوية التبادلات التجارية بالعملة المحلية
في البلدين (الليرة التركية والجنيه المصري) وعدم استخدام الدولار عملة تبادل.
ومن ثم، يمكن القول إن تطوّر العلاقات
على المسار الاقتصادي وتعزيزها يأتيان، هذه المرّة، نتاجاً للمحرّكات السياسية، فالمستجدّات
المتلاحقة على المنطقة وتزايد الملفات الساخنة وبؤر التوتر والصراع مثلت قوة دفع نحو
مراجعة الحسابات بين الدولتين، واتباع نهج التفاهم والحوار الذي يضمن منافع متبادلة،
بديلاً للاختلاف والنزاع الذي يستنزف مصالح الدولتين ومقدّراتهما. وهو ما يعني أن الإطار
السياسي هو الحاكم والمحدّد الأساسي حالياً في العلاقات المصرية التركية، بما يعنيه
ذلك من تشاور وتنسيق بشأن الأمن الإقليمي بملفاته المفتوحة في ليبيا والسودان واليمن،
وغزّة بالطبع.
ومما يؤكّد وصول العلاقات إلى مرحلة
متقدّمة سياسياً واستراتيجياً الإعلان خلال زيارة الرئيس أردوغان القاهرة عن استحداث
نقلة نوعية في تاريخ العلاقات، بتقديم أنقرة نوعيات متقدّمة من الأسلحة إلى مصر، وبصفة
خاصة الطائرات المسيّرة التركية. وفي هذه الخطوة دلالة مهمّة كونها تفتح الباب أمام
تعميق ذلك التعاون العسكري وتوسيع نطاقه، وهو اتّجاه يعني بالضرورة وثوقية كبيرة ورسوخاً
في القناعة بجدوى التعاون والتفاهم بين الدولتين وضرورتهما، حاضراً ومستقبلاً. حيث
تنتظر العلاقات استحقاقات إقليمية مهمة جديرة بالتنسيق والتفاهم المشترك، من أهمّها
ملفّ الطاقة في شرق المتوسط، وتطوّرات الأزمة في السودان، والأمن في البحر الأحمر.
المصدر: الجمهورية.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن
رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".