منير الربيع
يفتح الحوار الدائر بين التيار الوطني
الحرّ وحزب الله، حول رئاسة الجمهورية مقابل اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة
والصندوق المالي الإئتماني، أعين القوى السياسية المختلفة على هذين الملفين. إذ تدرس
القوى المختلفة خياراتها بشأن هذين الطرحين، وسط قناعة لدى قوى متعددة بأن المرحلة
المقبلة لا بد لها أن تحمل تعديلات أساسية في آلية عمل النظام السياسي والمالي والاقتصادي
اللبناني. في الخلاصة السياسية، فقد عاد التيار الوطني الحرّ إلى حزب الله، وهو ما
كان الحزب ينتظره وعليه، لا بد من التوقف عند نقطة أساسية، أن الطرفين غير قادرين على
التخلي عن بعضهما البعض، بالإضافة إلى إظهار باسيل ابتعاده الكبير عن القوى التي تقاطع
معها.
الثمن الكبير
تلك العودة لا يمكنها أن تكون بلا ثمن.
ففي معرض الاختلاف والتوتر في العلاقة بين الطرفين، لطالما خرج مسؤولو التيار الوطني
الحرّ متهمين حزب الله بأنه تخلى عن مبدأ بناء الدولة وتحقيق الإصلاحات فيها، نظراً
لحساباته السياسية. الآن يقول التيار الوطني الحرّ للحزب أنتم تركتموني في موضوع بناء
الدولة ومكافحة الفساد، وأنا أريد ثمناً أساسياً في صلب الدولة، وهو الصندوق الإئتماني
الذي يفترض أن تكون صلاحياته لدى رئيس الجمهورية. بالإضافة إلى اللامركزية المالية
والإدارية الموسعة. لا ينفصل ذلك عن تسجيل باسيل خطوات أكثر تقدماً على نظرائه السياسيين
على الساحة المسيحية. إذ أن هذين المطلبين يلقيان رواجاً كبيراً في صفوف البيئة المسيحية.
وعلى الرغم من مطالبة القوى الأخرى بهما، إلا أنها لا تتمتع بقدرة تفاوضية لتحقيقهما
بخلاف باسيل، الذي يرتكز على علاقته مع الحزب.
يبقى السؤال الأساسي حول ماهية
"الصندوق المالي الإئتماني". والذي يراد له أن يكون ضامناً لأموال الدولة
ومواردها، بالإضافة إلى توفير قدرة إعادة أموال المودعين منه في السنوات المقبلة. في
البداية، كانت الفكرة حول إنشاء صندوق سيادي يحفظ أموال النفط ويضمن بقاءها من دون
صرفها. فيما بعد تطور الحديث ليصل إلى اصطلاح "الصندوق المالي الإئتماني".
وهو الذي يفترض به تأسيس شركة كبرى، تقوم بتملك أو إدارة أملاك الدولة ومرافقها العامة،
من مطار، مرافئ، أملاك بحرية.. بالإضافة إلى قطاعات مالية أو قطاعات منتجة، كالمصارف
والإتصالات والبنى التحتية. مهمة هذه الشركة إنشاء صندوق يوظف هذه الأرباح لصالح الدولة،
بالإضافة إلى إعادة أموال المودعين، وسد الفجوة المالية على إثر الانهيار النقدي.
وزارة مالية موازية
هنا تبرز مشاكل عديدة حول هذا المشروع،
بعضها سياسي وبعضها الآخر تقني، يتعلق بماهية وصلاحيات هذا الصندوق، وآلية عمله، بغض
النظر عن الدخول إلى مغارة المحاصصة لاحقاً فيه، عبر تشكيل مجلس إدارته. فيما معارضو
الاقتراح يعتبرون أنه سيكون شكلاً آخر لإنتاج وزارة مالية موازية لوزارة المال الأساسية.
إذ أن أبرز أسباب الاختلاف حوله هو إذا كان سيستحوذ على صلاحيات وزارة المال، علماً
أنها أهم وزارة في الدولة وفي المعيار السياسي، بالاستناد إلى اعتبارها صاحبة التوقيع
الرابع. ومن بين الأسئلة التي تطرح، كيفية إدارة الأموال العامة واعتماد السياسات المالية.
وهل تكون من صلاحيات هذا الصندوق أم من صلاحيات وزارة المالية؟
أما بخصوص اللامركزية الإدارية والمالية
الموسعة، فبلا شك أن اللامركزية الإدارية أقرت في اتفاق الطائف، بينما هناك من يعتبر
أنه لا يمكن تطبيق اللامركزية من دون توفر الموارد المالية. هنا أيضاً تتضارب وجهات
النظر، حول الدمج بين المسألتين أي توسيع هامش اللامركزية والإبقاء على نوع من المركزية
المالية. إذ يعتبر البعض أن هناك صعوبة في تطبيق اللامركزية المالية الموسعة، بما يتعلق
بمناطق الأطراف والأرياف، والتي ليس فيها أي مقومات مالية أو اقتصادية، وليس فيها موارد
أخرى. فكيف يمكن لهذه المناطق أن تمول نفسها. وعليه، لا غنى عن الصندوق المركزي والإدارية
المركزية المالية.
إنه مسار طويل وبعيد المدى فتحه التيار
الوطني الحرّ. وبلا شك، ستكون هناك صعوبة في إعطاء باسيل ما يريده، بهذه السهولة. ما
يفتح النقاش بشكل أوسع على صلاحيات هذا الصندوق، وربما اقتراحات أخرى لإنشاء صناديق
جديدة. فإذا كان هذا الصندوق مهمته إدارة مرافق الدولة وبناها التحتية وأملاكها وقطاعاتها
المنتجة، تبقى وزارة المال عبارة عن خزنة لتمويل الإدارات العامة على قاعدة 6 و6 مكرر.
فيما قد يتم الذهاب إلى انتاج صندوق ثالث وجديد يتعلق بإدارة عائدات النفط والغاز،
بعد عملية الإستخراج وبدء التصدير، وهو ما يسمى الصندوق السيادي.
المصدر: المدن.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن
رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".