سامح راشد
تعلن اليوم الاثنين نتائج انتخابات
الرئاسة المصرية، لكن لا أحد في مصر يترقّبها، فمعروفٌ أنها "تحصيل حاصل"،
ونتاج عملية مصطنعة لإضفاء مشروعية دستورية مُفتعلة على الواقع القسري.
وسيكون لهذا الاستحقاق ارتدادات ربما
غير متوقّعة، خصوصاً أنها تتزامن مع استمرار الحرب في غزّة وغموض الترتيبات الإقليمية
بشأن مستقبل القضية الفلسطينية ككل، خصوصاً ما يتصل منها بغزّة التي صارت قنبلة موقوتة
بالنسبة إلى أطرافٍ كثيرة، من بينها مصر بالطبع. وبشكلٍ خاص، بعد أن ظهرت إلى العلن
أطروحات تهجير فلسطينيي غزّة إلى سيناء، ما فاقم مأزق النظام المصري، المأزوم أساساً
بمواقفه المتخاذلة والمريبة تجاه الوضع اللاإنساني للمدنيين في غزّة. بل إن مصير هذا
النظام سيتأثر إلى حدّ كبير بسلوكه ومواقفه تجاه "اليوم التالي" للحرب. بعد
أن بات واضحاً مدى تقاطع مصير غزّة وأهلها مع رؤية مصر إلى أمنها وسيادتها، وبالتالي،
انعكاس ذلك مباشرةً على المشهد الداخلي في مصر، خصوصاً على مستوى دائرة الحكم والعلاقة
بين أركانها ومؤسساتها ومن يسيطرون على مفاصل السلطة ومراكز القوة فيها.
من ناحية أخرى، مصر بعد الانتخابات
الرئاسية بصدد مشهد داخلي شديد الصعوبة والتعقيد. شقٌّ منه متوقّع، وهو ازدياد الفقر
وتفاقم معاناة المصريين في مواجهة وضع معيشي يسوء يوماً بعد يوم، وبمعدّلات يصعب تحمّلها
أو التكيف معها حتى على الطبقات الاجتماعية المرفّهة. ولذا المخاطر قائمة والمفاجآت
واردة، مهما بدا الوضع تحت السيطرة.
ولمّا كانت الحياة اليومية هي الشغل
الشاغل للمصريين على مر العصور، وهُم لم يكونوا يوماً مُسيّسين أو أصحاب موقف أو فكر،
فإن التدهور الاقتصادي سيظلّ هو المسيطر على انشغالات المصريين وهمومهم الكبرى، خصوصاً
أن المعاناة اليومية بلغت مراحل أكثر صعوبة بمراحل عمّا كانت عليه في أواخر عهد مبارك.
بل إن بعض المصريين باتوا يترحمون على أيام حسني مبارك، فقد كانوا يعيشون في فقر، أما
حالياً فهم لا يعيشون أصلاً. كذلك كان الوضع الاقتصادي، بمشكلاته وأزماته الهيكلية،
أخفّ وطأة بمراحل عن الركود التضخّمي الذي يسحق المصريين حالياً بمختلف طبقاتهم.
من إبداعات المصريين في العلاقة مع
حكامهم، أنهم كلما استشعروا ابتعاد الحاكم عنهم وتجاهله أوجاعهم وأوضاعهم، ردّوا عليه
ذلك بعزله نفسياً وفعلياً، وتركه ليعيش في دولته المتوهمة، وحيداً مع حوارييه من المنافقين
والمنتفعين، فيدير العامة شؤونهم بأنفسهم، ويحكمون بعضهم في ما يختلفون حوله، ويدبّرون
معيشتهم وفقاً لقدراتهم وإمكاناتهم في التدبير والتحايل. وشيئاً فشيئاً، يتلاشى دور
القانون وتصبح سلطة الدولة مجرّد اسم ومظهر ومؤسسات بهياكل لا أكثر. سلطة بلا فعالية
ولا مضمون، وبالتالي، لا جدوى منها ولا احترام لها حتى لدى القائمين عليها.
وبعد أن تخلّت سلطة الدولة عن جوهرها
ومصدر قيمتها لدى المواطنين، وهو الوفاء بدورها في تنظيم شؤون الناس وتلبية احتياجاتهم
وضبط العلاقات فيما بينهم، فببساطةٍ تصير سلطة لا لزوم لها، ولا حاجة للناس فيها، فبالضرورة
والمنطق، لا دافع ولا مبرّر لكي يشارك الناس في إضفاء شرعية مُفتعلة على نظام غير موجود
في حياتهم، سوى استكمال مشروعية ظاهرية على انتخابات شكلية نتيجتها محسومة مسبقاً.
ومن ثم، المشاركة فيها تعني إمعاناً وتكريساً لوضع قائم يتمنّى المصريون الفكاك منه.
ومن ثم، يصعب تصديق ما جرى ترويجه عن نسبة مشاركة مرتفعة، فالمتابعة الفعلية لمقارّ
انتخابية كثيرة كشفت أن الزحام مفتعل. حيث وقف عشرات أمام أبواب المقارّ بلا حراك ولا
تصويت ولا السماح لغيرهم بالمرور إلى الداخل والتصويت. وفي هذا العزوف تجسيد بليغ لإبداع
المصريين في التحايل بالتجاهل. وليس أبداً دليل استقرار أو استتباب الأمور لصالح النظام.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن
رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".