من اعتصام قناة الجديد إلى قانون الانتخاب .. حذار الفراغ
شباط 16, 2017

وائل نجم ـ كاتب وباحث

 

 تضغط المهل الدستورية على جميع الأطراف بما في ذلك الحكومة من أجل إجراء الانتخابات النيابية في وقتها، وقد أعلنت وزارة الداخلية أكثر من مرة أنها ستقوم بدورها وواجبها لناحية دعوة الهيئات الناخبة ضمن المهل الدستورية والقانونية لإجراء الانتخابات وفقاً للقانون النافذ إذا لم يتم الاتفاق على قانون انتخاب جديد، إلا أن رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، أعلن صراحة أنه لن يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وهذا حقّه الدستوري، لأنه لا يقبل أن تجري الانتخابات وفقاً للقانون النافذ المعروف بـ "قانون الستين" على اعتبار أنه لا يؤمّن عدالة وصحة التمثيل.

 

والحقيقة أن كل الاطراف السياسية، أو لنكن أكثر دقّة، معظمها، يرفض هذا القانون الذي لا يؤمّن صحة وعدالة التمثيل، ولكن عدم الاتفاق على قانون جديد بالنظر إلى تشتت المصالح، وعدم القبول بإجراء الانتخابات في وقتها وفق القانون النافذ، هدّد بحالة من الفراغ على مستوى السلطة التشريعية، وهذا ما اعتبره البعض إخلالاً بالتوازن الوطني، وخرقاً للميثاقية التي كرّسها الدستور في مقدمته، ونحن نعرف أن الرئاسات الثلاثة في لبنان موزّعة بين المكوّنات الاساسية في البلد، فرئيس الجمهورية من حصة المسيحيين الموارنة، ورئيس المجلس النيابي من حصة الشيعة، ورئيس الحكومة من حصة المسلمين السنّة، وعليه فإن البعض يعتبر الفراغ في سدة الرئاسة الثانية في حال لم تجرِ الانتخابات النيابية، يخلّ بالتوازن ويخرق الميثاقية، ومن هنا رفض رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، هذا الأمر، وحذّر منه، واعتبر الحكم استمرارية، وبالتالي فقد رفض ابتداءً الفراغ على مستوى المجلس النيابي، واعتبر أن المجلس الحالي سيستمر في مهامه فيما لو لم تجرِ الانتخابات في وقتها المحدد، أو لم يصار إلى الإتفاق على قانون جديد وإجراء الانتخابات على أساسه مع تأجيل تقني لا يتجاوز بضعة أشهر كحد أقصى. إلا أن رئيس الجمهورية ظلّ على موقفه لناحية تفضيل الفراغ على التمديد أو إجراء الانتخابات النيابية وفقاً للقانون النافذ. وهنا كان لا بدّ من رسائل في الداخل اللبناني تُشعر الجميع بخطورة الفراغ، وتؤكد أن الذهاب إليه يهدد الاستقرار بالفوضى.

 

لقد نجحت حركة أمل في توجيه جمهورها بشكل ذكي للاعتراض على برنامج تلفزيوني بثته "قناة الجديد" اعتُبر فيه إساءة للإمام المغيّب السيّد "موسى الصدر"، فاعتصم مناصرو أمل سلمياً أمام القناة ملوّحين بالتصعيد والتهديد من خلال المفرقعات تارة ورمي الحجار باتجاه مبنى القناة تارة ثانية، وكان واضحاً أن الخطوة لم يكن من ضمنها اقتحام مبنى القناة أو حتى التعرّض لأحد من العاملين فيها، ولكنها حملت في عمقها رسالة ذكية من الحركة لرئيس الجمهورية على اعتبار أن الحديث عن الفراغ في السلطة التشريعية قد يفتح الباب للفوضى التي يمكن أن تشتعل من خلال محطات على غرار الاعتصام اعتراضاً على برنامج اعتُبر فيه إساءة لرمز كبير، وكيف أن الجمهور استُفز من خلال تلك الاساءة إلى ذاك الرمز (السيد الصدر)، فكيف إذا كان الأمر يتصل بالإساءة إلى مرجع كبير على مستوى "الطائفة" وعلى مستوى الوطن، من خلال عزله عن العمل السياسي وعن موقع القرار من خلال عزله عن موقعه عن طريق منع الانتخابات؟!

 

لقد كانت رسالة جمهور الحركة منضبطة وعميقة وأدركها المعنيون، وخاصة وأن هذا الجمهور المعترض لم يقدم على خطوة اقتحام مبنى القناة، ولم يخرج من الشارع أيضاً إلا بعد اتصال رئيس الجمهورية بوزير الدفاع والطلب منه معالجة الأمر. لقد عرفت الحركة حينها أن رسالة جمهورها وصلت إلى المعنيين. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضاً تسريب بعض الصور لمناصرين لحركة أمل في الشياح (ملاصقة لعين الرمانة) بالضاحية يقومون بإجراء تدريبات عسكرية واستعدادات من هذا القبيل، ندرك أن الرسالة فعلاً قد أريد لها ان تصل وقد وصلت.

 

إذاً الرسالة وصلت ما بين الاعتصام المنضبط في محيط مبنى قناة الجديد، والتحذير من الفراغ في السلطة التشريعية إذا لم يصار إلى الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، فهل سيستجيب المعنيون للرسالة؟!   

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".