وائل نجم
بدأت حكومة معاً للانقاذ مناقشة مشروع موازنة العام
2022 بجلسة شهدتها أروقة القصر الجمهوري في بعبدا ومن ثمّ انتقلت الجلسات الأخرى إلى
السراي الحكومي. والحقيقة أنّ مشروع الموازنة كان بمثابة السلّم الذي أنزل من صعد إلى
رأس شجرة التصعيد بمقاطعة الحكومة أو بمنعها من عقد جلسات على خلفيات الجميع يدركها
ويعلمها، ولمّا تبيّن أنّ سلاح تعطيل الحكومة سيرتد سلباً على أصحابه كان لا بدّ من
سلّم يُنزل المعطّلين من على رأس الشجرة التي صعدوا إليها، فكان مشروع الموازنة هو
السلّم الذي أنزلهم وأعاد تفعيل العمل الحكومي، وإن كنّا إلى الآن ننتظر هل سيكون هذا
العمل مفتوحاً على كل صلاحيات الحكومة من دون تدخّل في آليات عملها أو صلاحية رئيسها
أو وزرائها، بمعنى أنّها ستكون مطلقة اليد بالعمل بكل طاقتها وصلاحيتها، أم ترى سيكون
معلّقاً فقط على الموازنة من دون تفعيل العمل الحكومي في مسارات أخرى الوطن أحوج ما
يكون إليها.
على كل حال عقدت الحكومة عدة جلسات متتالية من أجل
مناقشة مشروع الموازنة لناحية الواردات والتفقات والضرائب والإصلاحيات وما سوى ذلك،
ودائماً ما كان يبرز مسألة سد الفجوّة بين الحاجات والإمكانات، وغالباً ما يتمّ التوجه
لسد أو جسر تلك الفجوة إلى الطبقات الشعبية والمعدمة من خلال فرض المزيد من الضرائب
أو من خلال نهب المزيد من أموال هذه الطبقات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أبرز فصول هذه الطريقة لسلب الناس إمكاناتها وأموالها
الحديث عن رفع الدولار الجمركي، بمعنى أنّ السوق اللبنانية اليوم لا تخضع لسعر صرف
واحد للعملة الأجنبية، فهناك السعر الرسمي وهو 1515 ليرة إلى الآن، وهناك سعر صرف السوق
الموازية وهو متقلّب وبلغ في فترة من الفترات 33 ألف ليرة للدولار الواحد، وهناك سعر
منصة السحب من ودائع الناس من المصارف وهو 8 ألاف ليرة، وهناك منصة صيرفة، إلى غير
ذلك؛ وما تتقاضاه الدولة اليوم من رسوم جمركية على البضائع التي تدخل إلى لبنان هو
بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي، أي على سعر 1515، ما يعني أنّ أيّ بحث في
تعديل سعر الدولار الجمركي إلى غير السعر الرسمي سيعني إشعال أسعار السلع في البلد
بشكل أكثر من جنوني، وهي أصلاً مشتعلة اليوم حيث أنّها لم تتراجع سوى أرقام بسيطة على
الرغم من تراجع سعر الدولار في السوق الموازية إلى ما دون الـ 20 لف ليرة، بينما ظلّت
أسعار السلع كما لو أنّ سعر الدولار أكثر من ثلاثين ألفاً.
إنّ رفع سعر الدولار الجمركي سيعني القضاء بشكل
كامل وسحق الطبقات الفقيرة والمعدمة، وهي بالمناسبة صارت واسعة جدّاً، لأنّ أسعار السلع
سيرتفع بشكل كبير جدّاً حيث أنّ أغلب السلع في لبنان مستوردة من الخارج.
إنّ المواطن سيكون في تلك اللحظة ضحية مجدّداً لسياسات
الحكومات والطبقة السياسية التي لا تنظر سوى إلى مصالحها حتى لو أدّى ذلك إلى سحق المواطن
وانهيار البلد. ومن هنا فإنّ أطلق البعض جرس الإنذار من مغبة رفع الدولار الجمركي لأنّ
ذلك قد يكون بإشعال ثورة جديدة أو فوضى كبيرة تطيح بكل شيء، خاصة وأنّ كل البحث الذي
يجري من أجل تأمين موارد إضافية للخزينة لا يترافق مع أيّة تقديمات حقيقية للمواطنين
أو أيّ بحث جدّي لرفع الحد الأدنى للأجور، فضلاً عن أنّه لا يتجه نحو المكامن الحقيقية
للفساد أو إلى أولئك الذين استغلوا مناصبهم وجنوا أرباحاً طائلة بطرق مشروعة وغير مشروعة
في العقود الماضية.
الشعب
اللبناني للأسف ضحية المؤامرات من ناحية، والسياسات الخرقاء من ناحية أخرى، وجشع الطبقة
الحاكمة من ناحية ثالثة، وقد يدفع الأثمان مجدّداً في الموازنة الجديدة التي ستكون
على حسابه بينما هو غارق في الدفاع عن زعمائه المسؤولين عن فقره وتجويعه والحياة البائسة
التي يعيش.