موسكو «تُكمل دورة» الترحيب الدولي بتمايز؟!
تشرين الأول 29, 2022

جورج شاهين

اكتملت دورة الترحيب الدولي بـ»الاتفاق التاريخي» للترسيم مع إسرائيل بتغريدة السفارة الروسية في بيروت. فمع أملها بـ»أن يعود لبنان إلى مسار التنمية والإزدهار في أقرب وقت»، تمنّت لأصدقائها اللبنانيين «ان يستفيدوا من اتفاق الترسيم». وهو ما أعطى توصيفا روسيا مُتمايزا عن مواقف رؤساء الدول والحكومات والمنظمات الدولية الذين تحدثوا عمّا تحقق من «امن وسلام مستدام» و»نهضة اقتصادية ولو جاءت متأخرة». وعليه، ما الذي تعنيه هذه المعادلة؟

لم تحظَ تغريدة السفارة الروسية في لبنان، التي رحبت بـ«اتفاق الترسيم» البحري وما يمكن أن يؤدي اليه على «مسار التنمية والازدهار»، بأهمية التمييز التي أجرته بين نتائج الترسيم وكيفية استفادة اللبنانيين منها. وأن تلاقى نصف تغريدتها مع ما حملته عشرات البيانات الرئاسية والحكومية العربية والغربية التي أعقبت اتصالات التهنئة التي أجراها كل من الرئيسين الاميركي جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون بكل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الاسرائيلي ورئيس حكومته يائير لابيد. وقد يُضاف إليها مجموعة الوعود التي قطعت بمساعدة لبنان لتجاوز باقي الأزمات الآنية التي تفاعلت وتناسلت وتطورت إلى مرحلة التهديد بالشلل التام للدولة اللبنانية بكل مؤسساتها الدستورية، باستثناء المجلس النيابي الذي انتخب حديثا في 15 ايار الماضي ولم تَطله بعد أي شائبة دستورية او قانونية.

وعليه، فإن التوغّل في مضمون «تغريدة» السفارة الروسية يدفع إلى التوقف عند إشارتها إلى «أن يعرف اللبنانيون كيف يستفيدون من هذا الاتفاق» للخروج من انفاق الأزمات التي تعانيها البلاد. وإن لم تكن السفارة واضحة بما فيه الكفاية، فإن التفسير البديهي لتغريدتها يعبّر تلقائياً عن مخاوفها المشتركة مع المراجع الديبلوماسية مما يمكن أن تؤدي إليه العلاقات غير السَويّة بين السلطات الدستورية في تعاطيها مع بعضها من سوء تصرف وتدبير للثروة المنتظرة وكيفية تنظيمه متى بدأت الاستفادة منها. فالمناكفات الشخصية التي سخرت لها المواقع الدستورية في معاركها الداخلية، عززت المخاوف التي غَزت العقول السياسية والدستورية والقانونية نتيجة حجم المكائد المتبادلة التي يمكن أن تؤدي إلى مرحلة من عدم الاستقرار باتت على الابواب لمجرّد دخول البلاد مساء الإثنين المقبل مع انتقال الرئيس عون من بعبدا إلى الرابية وخلو سدة الرئاسة. فما هو متوقع أن تبدأ مرحلة غريبة وعجيبة لا قراءة دستورية لها في حال أصدرَ رئيس الجمهورية المرسوم الذي يصدره منفرداً بقبول استقالة الحكومة من دون باقي المراسيم المتلازمة معه، والتي يقول الثاني منها بتسمية الرئيس الجديد للحكومة والثالث من أجل تشكيلها.

وما هو ثابت حتى اليوم، أن رئيس الحكومة لن يشعر ولن يعترف - مدعوماً من قوى مختلفة - بأي إجراء يتخذه رئيس الجمهورية بقبول استقالة الحكومة التي باتت مستقيلة مرتين، عند تسلّم المجلس النيابي مهامه في 22 ايار الماضي للمرة الأولى، وعند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ثانيةً. ؟؟ فعلى الرغم من مجموعة البيانات التي صدرت عن مكتب الإعلام في القصر الجمهوري، والتي أكدت أن لا مسوغ قانونيا ولا دستوريا لمثل هذا الإجراء. فقد جَدّد رئيس الجمهورية حديثه عن هذه الخطوة، وهو رأي يتلاقى مع قراءات دستورية وقانونية أخرى تقول وتجزم بأنّ مرسوماً من هذا النوع لا مفاعيل إدارية او قانونية أو دستورية له. وأن بإمكان رئيس الحكومة أن يواصل عمله على رأس حكومة تصريف الاعمال بعد أن انتقلت اليها بالإنابة مجموعة من صلاحيات رئيس الجمهورية غير اللصيقة بشخصه ودوره، وأن بإمكانه أن يستمر في إدارة شؤون البلاد والعباد.

وإن نجحت الإجراءات التي يمكن أن يُقدم عليها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بِسَحب وزرائه من الحكومة ومقاطعتهم لرئيسها، فلا يبدو أنها خطة ناجحة أو ممكنة. فالوزير الذي يرغب بإدارة شؤون وزارته من دون التنسيق مع رئيس الحكومة سيفتقد فاعلية قراراته لأنّ أكثرية مهامه لن تكتمل من دون موافقة رئيس الحكومة ووزارة المالية في الكثير منها. وبهذا التصرف قد يعزل الوزير نفسه ويحاصر حقيبته ولن يتمكن من تنفيذ أي قرار يمكن أن يتخذه في أي مجال.

والدلالة على صعوبة اكتمال هذه الصيغ المؤدية إلى شل عمل مجلس الوزراء، قد ينجح رئيس الحكومة بجَمعه متى شاء، ثُلثي أعضاء الحكومة في أي جلسة. وما يدلّ إلى هذه الحالة مجموعة المواقف التي صدرت عن وزراء يريدون إكمال مهامهم ولن يلتزموا سلفاً بأي قرار يدعوهم إلى مقاطعة السرايا. فنائب رئيس الحكومة الدكتور سعادة الشامي قال قبل أيام أنه مستمر في المرحلة المقبلة من خلو سدة الرئاسة في مهمته في قيادة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. كما أكد وزير الخارجية عبد الله بو حبيب أن المهمة التي كلّف بها ومعه أعضاء الوفد لاستئناف مفاوضات الترسيم المجمّدة مع سوريا منذ سنوات ستبقى قائمة للقيام بالمهمة التي كلّفهم بها رئيس الجمهورية قبل نهاية ولايته بأيام. ولكن هذه العملية قد لا تكتمل إن كان لرئيس الحكومة موقف مغاير من مهمة اللجنة التي شكلها الرئيس عون، ولربما ستلاقيه القيادة السورية بمماطلتها في تحديد موعد جديد للوفد وتنتهي مهمته قبل أن يقلع بها وقبل أن تطأ إقدام اي من أعضائه الأراضي السورية.

هذا على المستوى الإداري والحكومي، أما على المستوى العسكري والأمني فستكون مقاربة أي تصرف من هذا النوع بطعم آخر. فأيّ تطور يمكن أن يطال المؤسسات العسكرية والأمنية سيكون أخطر مما يتوقعه أحد. وما هو متداول به أن القيادات العسكرية والأمنية لا يمكن أن تقبل بمثل هذه القرارات التي يمكن أن تشل العمل الحكومي والإدارية وسبق لبعضهم أن حذّر من عدم جدوى مثل هذه التصرفات. فللمؤسسات العسكرية - بمعزل عن الحديث عن إمكان إعلان حالة طوارىء - فإنّ مصالحه وحاجاته اليومية لا يمكن أن تتجاهل وجود حكومة شرعية ودستورية على الأقل. وإن افتقدت الحكومة شرعيتها الشعبية، فهي ستبقى محدودة في إطار ضيق، ولن تشارك القوى السياسية والحزبية الأخرى التيار الوطني الحر إن بلغت قرارات رئيسه مساعي شَل الحكومة وترك البلد أمام فراغ دستوري غير موجود. فالدستور لا يقبل بالفراغ وأن شغور أي مركز ولو كان بمقام رئاسة الجمهورية قال بآلية تعوّض عن دوره وصلاحياته مهما اختلفت الاجتهادات بشأنه.

وإلى مجموعة الملاحظات هذه، فإنّ الأنظار تتجه إلى مسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري لإدارة حوار بين القيادات الحزبية يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين قبل الدعوة إلى جلسة انتخاب يوم الجمعة المقبل. وليس مهما إن اكتسب اللقاء صفة «الحوار» أو «التشاور»، ذلك أن الأهم هو في أهدافها ومراميها وحجم التجاوب معها. وهي مهمة قيل في الكواليس السياسية أنها لن تكون يتيمة وستحظى بتغطية دولية واممية قد تسهل التوصّل إلى التوافق على رئيس للجمهورية فيختصر انتخابه مجمل الأزمات الأخرى. وإن نشأت أزمة حكومية ستكون قصيرة، اللهمّ إن لم تتحول أو تنتقل لتكون أزمة أمنية فيقع المحظور.

وختاماً لهذه التطورات السلبية يطرح السؤال: من يتحمل مسؤولية مثل هذا التوجه السلبي ونتائجه الكارثية في أسوأ توقيت لا سيما إن قاد الى فوضى امنية ودستورية؟ ومن بقدرته، أياً كان حجمه، ان يتحمّل كلفتها ونتائجها على لبنان واللبنانيين؟

المصدر: الجمهورية.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".