باسل الحاج جاسم
انتهت
قمّة فيلنيوس لقادة دول حلف الناتو، إلا أن صدى ما دار في يومي أعمالها في عاصمة ليتوانيا
سيتردّد طويلاً، سواء على صعيد الملفات والقضايا التي ركّزت عليها، أو الرسائل التي
بعثتها في عدة اتّجاهات، إلى روسيا والصين، وحتى على الصعيد الداخلي الأطلسي، باستمرار
توسّع الحلف. وقد انعقدت القمّة بحضور فنلندا للمرّة الأولى منذ انضمامها رسميا في
وقت سابق هذا العام، إضافة إلى تجاوز ما يمكن اعتبارها رسالة انقسام الحلفاء بتعثر
انضمام السويد، وظهرت القمّة أنجح مما توقّعه أي طرف، بعد موافقة تركيا على انضمام
السويد لحلف الناتو، فالأمور قد حسمت، ولو بشكل "أولي"، ويبقى عامل الوقت
فقط.
يجب
أن توافق جميع الدول الـ31 الأعضاء في الحلف على قبول أعضاء جدد، وخاطر الانقسام حول
السويد بتقويض قدرة التحالف على تشكيل جبهة موحّدة ضد روسيا في وقت تسعى قوّاتها لصد
هجوم أوكراني مضاد كبير. وكانت وساطة الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، حاسمة،
وعُقد آخر الاجتماعات قبل يوم من القمّة في فيلنيوس، حيث التقى الرئيس التركي أردوغان
وستولتنبرغ ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون في العاصمة الليتوانية لمناقشة آخر
التطورات المتعلقة بطلب السويد. ووفقًا للتصريحات التي صدرت عن الثلاثة، وافقت أنقرة
أخيرًا على إرسال بروتوكول انضمام السويد للحلف إلى البرلمان التركي في أقرب وقت ممكن.
وفي المقابل، وافقت الحكومة السويدية على إنعاش العلاقات التركية الأوروبية. وفي هذا
السياق، وعدت السويد بدعم الجهود لإحياء عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي،
والمساعدة في تحديث الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وتحرير التأشيرات.
بالنظر
إلى الاتفاق بين تركيا والسويد، يمكن أن تصبح قمة فيلنيوس نقطة تحوّل في العلاقات التركية
الغربية بالعموم، التي كانت متضاربة في السنوات القليلة الماضية، وخيّم عليها كثير
من التوتر والخلافات، حيث ربطت كل من الدول الغربية وتركيا عملية انضمام السويد لحلف
لناتو، بقضايا أخرى وتناولت المسألة من منظور واسع. وكانت إدارة الرئيس الأميركي، بايدن،
قد سعت بشدة من أجل توسيع "الناتو"، وتريد تركيا شراء طائرات مقاتلة من طرازF-16 ومعدّات أخرى بقيمة 20 مليار دولار من الولايات المتحدة،
لكن مسؤولي الإدارة رفضوا في وقت سابق فكرة أن بايدن سيستخدم هذا للضغط على أردوغان
بشأن توسّع "الناتو"، إلا أن تحولا كبيرا حدث خلال أعمال القمة في ليتوانيا.
وذكر البنتاغون أن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، بحث مع نظيره التركي يشار غولر،
في اتصال هاتفي، دعم مساعي تركيا للتحديث العسكري، عقب تغيير أردوغان موقفه من انضمام
السويد لحلف شمال الأطلسي وموافقته على إحالة طلبها على البرلمان. وقال البنتاغون إن
الوزيرين ناقشا المحادثات الإيجابية بين تركيا والسويد والأمين العام للحلف. وقد تحرّكت
السويد إلى تلبية المطالب التركية من خلال تعديل دستورها وتشديد قوانين مكافحة الإرهاب
التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، كما وافقت على تسليم
مطلوبين للأتراك، وبعد اجتماع سبق قمة ليتوانيا، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان،
إن التغييرات في قانون مكافحة الإرهاب السويدي بحاجة حاليا إلى التنفيذ.
تأججت التوترات التركية السويدية، أخيرا،
بسبب الاحتجاجات المناهضة لتركيا والمناهضة لحلف شمال الأطلسي في ستوكهولم الشهر الماضي،
عندما جرى عرض علم حزب العمال الكردستاني المحظور في كل من تركيا والاتحاد الأوروبي،
خارج مبنى البرلمان، كما أن حادثة حرق صفحات المصحف الشريف زادت الطين بلة. غير أنه
يمكن القول إن تغيير أردوغان موقفه من انضمام السويد إلى "الناتو" بعدما
ربط الاثنين دعم عضويتها بإعادة الاتحاد الأوروبي إطلاق مفاوضات انضمام بلاده للتكتل،
لم يكن مفاجأة، وإنما كان مقايضة غير معلنة لضمان تزويد واشنطن أنقرة بطائرات F-16، ما يحسم ملفا خلافيا ساهم في تأزيم العلاقات بين أنقرة وواشنطن منذ
سنوات.
وصحيح، ليس من الواضح متى ستصبح السويد
العضو الثاني والثلاثين في "الناتو"، الا أننا أمام بداية ذوبان الجليد بين
تركيا والغرب، وزخم العلاقات الثنائية يسير في اتجاه إيجابي، لكن من غير الواضح ما
إذا كان أردوغان يرى هذا جزءا من تحوّل أوسع في السياسة الخارجية، أو مجرّد صفقة سياسية،
في ظروفٍ تسعى فيها أنقرة إلى جذب المستثمرين الأجانب.
أرسلت أنقرة مؤشّرات عديدة إيجابية
لواشنطن، خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تركيا أخيرا، حيث سُمح له
بالمغادرة مع مجموعة من مقاتلي كتيبة آزوف الذين نُقلوا إلى إسطنبول بموجب اتفاق لتبادل
الأسرى مع موسكو، الأمر الذي أثار انزعاج الكرملين، كما أعرب أردوغان عن دعمه القوي
طموحات أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو.
ويبقى القول، رغم كل ما سبق، ليس متوقّعاً
أن يؤثر ذوبان الجليد في العلاقات بين تركيا والغرب على دفء العلاقات بين موسكو وأنقرة،
بسبب اعتماد تركيا على واردات النفط والغاز الروسي، بالإضافة إلى أن موسكو طرف فاعل
مهم في سورية.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن
رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".