د. وائل نجم
بعد انقطاع طويل للمجلس النيابي عن عقد جلسات لانتخاب
رئيس جديد للجمهورية بحجّة أنّ الجلسات السابقة (11 جلسة) لم تفضّ إلى أيّة نتيجة
وكانت كلّ جلسة تكراراً لما قبلها بحيث تُعقد الجلسة الأولى فلا ينال أيٌّ من
المرشحين نصاب الفوز وهو 86 صوتاً وقبل الانتقال إلى جلسة ثانية ينفرط عقد المجلس
وتفقد الثانية النصاب وينفضّ الجمع كلٌّ إلى سربه وحزبه وحسابه الخاص فيما يبقى
الوطن بلا رئيس.
قبل أيام دعا رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، المجلس
إلى جلسة انتخاب حدّدها يوم الأربعاء المقبل في الرابع عشر من حزيران، وذلك بعد أن
اتفقت بعض القوى السياسية على ترشيح الوزير السابق، جهاد أزعور، وكان من بين الذين
اتفقوا على ترشيح أزعور التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب وبعض نواب
المعارضة وبعض النواب المنضوين فيما يُعرف بنواب التغيير. في مقابل دعم كتلتي
التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة وبعض النوّاب ترشيح النائب السابق، سليمان
فرنجية.
والسؤال الآن: هل ستخرج جلسة 14 حزيران برئيس؟ بمعنى
هل سيكون للبنان مساء 14 حزيرن رئيس جمهورية جديد بغض النظر من يكون؟
من خلال حسبة الأرقام أو عملية توزيع أصوات النوّاب
على المرشحين، ووفقاً لما أعلنته الكتل أو النوّاب الأفراد، لا يبدو أنّ أيّاً من
المرشحين أزعور أو فرنجية سيحصل على 86 صوتاً (نصاب الفوز) في الدورة الأولى من
جلسة 14 حزيران. أمّا الدورة الثانية من الجلسة أو بالأحرى هي الجلسة الثانية،
فإنّ معركتها هي معركة تأمين نصاب انعقادها وهو 86 نائباً. وهنا يخشى كل فريق من
الفريقين اللذين تموضعا خلف أحد المرشحين من تأمين النصاب خشية فوز منافسهم
بالحصول في الجلسة الثانية على 65 صوتاً فيكون الفائز بالرئاسة. وأساس الخشية هذه
مصدرها أنّ عدداً كبيراً من النوّاب ما زال إلى الآن يخفي موقفه ولا يفصح عنه،
وبالتالي فإنّ مصير الرئاسة قد يكون متوقفاً على صوت واحد أو صوتين، وهو ما يسعى
لتأمينه كلّ فريق لضمان الفوز بالرئاسة، وفي حال عدم ضمان ذلك فإنّه سيلجأ إلى
سلاح التعطيل وإفشال نصاب الجلسة وهو ما جاهرت به كتلة التنمية والتحرير التي أعلن
بعض نوّابها أنّ من حقّهم اللجوء إلى تعطيل انعقاد جلسة الانتخاب إذا لمسوا أنّ
مرشحهم لن يحصل على 65 صوتاً. وهو بالتأكيد ما سيلجأ إليه الفريق الآخر فيما لو
لمس ذلك.
إذاً نحن أمام جلسة مصيرها معروف سلفاً وهي محكومة
بالفشل في انتخاب رئيس مسبقاً بالنظر إلى مواقف الكتل والقوى السياسية. وعليه يقفز
السؤال التالي إلى الواجهة: وما هو الحلّ؟ هل يخضع فريق ويتنازل لفريق آخر؟ أم
يتقدّم خيار التسويات على حساب المرشحين؟
من غير المنطقي ولا المقبول أن يظلّ كلّ فريق متمسّكاً
بمرشحه بعد جلسة 14 حزيران، لأنّ ذلك تعطيل للبلد ولمصالح الناس التي اكتوت من
جرّاء الأزمة. ونحن قد سمعنا من كلا الفريقين تعهدّاً بمنع وصول مرشح الفريق
الآخر. وعلى هذا الأساس يبقى الشيء المنطقي الوحيد هو البحث عن مرشح توافقي يعوّل
عليه للنهوض بالبلد، ويكون محل ثقة وتبديد هواجس جميع الأطراف. وهل هذا الأمر متاح
؟ بالتأكيد، فهناك الكثير من الشخصيات الوطنية التي تشكّل مصدر ثقة للجميع، ويمكن
أن تعمل للنهوض بالبلد بمعيّة الجميع. وماذا عن الخارج في كلّ هذا الموضوع؟ هنا
تكمن القضية المفصلية، لأنّ لبنان للأسف بات أسيراً لمصالح الخارج الذي يوهمنا
أنّه لا يتدخّل أو لا يهتمّ بما يجري عندنا ويلقي باللوم على الأطراف اللبنانية
الداخلية.
خلاصة القول: لبنان لم يعد يحتمل الكثير، ومسؤولية
القوى السياسية والكتل النيابية البحث عن حلّ لهذه المعضلة، وتقديم المصلحة
الوطنية على كلّ مصلحة أخرى، وإلاّ فإنّ الفوضى قد تتسلّل إلى لبنان شيئاً فشيئاً،
وفي لعبة الفوضى الجميع سيكون خاسراً.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر
عن "آفاق نيوز".