عمار ديوب
يرتبط كل ما
يحدث في سورية مباشرة بتغيّر الأدوار الدوليّة المتدخّلة فيها. سينعكس تغيّر السياسات
التركية، كالموافقة الأوّليّة على انضمام السويد لحلف الناتو، ومحاولة الأخيرة تسهيل
دخول تركيا للاتحاد الأوروبي، أو تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة بخصوص السماح
بتوريد الطائرات إف 16، سينعكس جفاءً مع الروس، وقد صرّحوا بذلك، إنّ السياسات التركية
الجديدة بمثابة طعنة في الظهر، أو إنّها دولة تتّجه إلى أن تصبح غير صديقة. تتجسّد
هذه المعطيات في سورية اقتراباً بين أميركا وتركيا، وابتعاداً بين روسيا وتركيا. إذاً،
هناك إعادة خلط للأدوار، وإشعال بعض الجبهات، والآن تتركّز الحشود العسكرية بين إيران
والنظام السوري وروسيا من جهة، وبين التحالف الدولي بقيادة أميركا والمتحالف مع قوات
سوريا الديمقراطية (قسد)، ومع فصائل عشائرية عربية، ويعمل على إيجاد صلاتٍ قويةٍ بين
"قسد" وجيش سوريا الحرّة الموجود في التنف، وهذه الجهة الأخرى. وهناك اعتقالات
كبيرة في صفوف هيئة تحرير الشام من قبل قادتها لكوادرٍ منها، وارتفع العدد إلى أكثر
من 700 شخصية، بتهمة العمالة والتجسّس، ولكل الدول المتدخّلة في سورية وللنظام السوري
أيضاً، وهذا ضمن الجديد، ويُقرأ الأمر بأنّه تصفية تياراتٍ في الهيئة لصالح تيّاراتٍ
أخرى، وهي بدورها عميلة، ونقصد تيار الجولاني وأبو ماريا القحطاني، المتهمين، بأنّهما
"عميلان" لأكثر من جهازٍ استخباراتي في آن واحد. المقصد هنا أنّ هذه كلّها
تغيرات جديدة، ويضاف لها الهمود شبه الكامل لمبادرات التطبيع بين تركيا والنظام أو
الأخير والدول العربية.
التحشيد الحاصل
في شرق نهر الفرات سبقته "إنذارات" أميركية إلى الدول العربية بالابتعاد
عن النظام، وفعّلت أميركا الجانب العملي لقانون الكبتاغون الذي يُعاقب النظام على التصنيع
والاتّجار بالمخدّرات. ومنذ عدّة أيام، تمّ تحويل مشروع قانون من مجلس النواب إلى الكونغرس،
وموضوعه معاقبة أيّ حكومات تتعامل مع حكومة النظام السوري.
من المؤكّد
أنَّ سورية مجرّد ورقة من ضمن أوراق السياسة الأميركية، أو التركية أو الروسية أو الإيرانية،
سيما أن الضعف الشديد أصبح هو حال النظام أو المعارضة السورية. وبالتالي، ورغم الجديد
في الأدوار أعلاه، وتغيّر بعض عناصر المشهد، ليس من الضروري أن تتغيّر الأدوار بشكل
كبير. وباستبعاد ذلك، ستتعمّق حالة التعفّن التي يعيشها السوريون، والمطابقة لعدم التغيير
بالأدوار الدولية، ولا تغيير في أحوال السوريين ضمن السوريات الأربع (مناطق النظام
و"قسد" وهيئة تحرير الشام والفصائل)، واستمرار الانهيار الاقتصادي والاجتماعي
بصورة يومية. ويوضح هذا الأمر الانهيار المتتابع لليرة السورية إزاء الدولار، وقد اقترب
من 11 ألف ليرة سورية؛ والتعفّن يقود إلى التقسيم، وفقاً لبعض التحليلات.
التحشيد في
شرقي الفرات، تُعيده متابعات صحافية كثيرة إلى إمكانية الاتفاق المؤقّت بين الولايات
المتحدة وإيران. وفي حال حدوثه، وهو ما يزال محطّ مداولات بين أميركا وإيران في سلطنة
عُمان؛ نقول إن حدث، فإنَّ الحرب التي يُحشّد لها لن تحدُث، وإذا لم يتم توقيعه، وهناك
من يرجّح ذلك، قد تكون سورية في حالة صيفٍ ساخن بالطقس والحرب معاً.
لن نغامر بالقول
إن الولايات المتحدة أصبحت تمتلك سياسة جديدة إزاء سورية، ونقصد جملة القوانين المناهضة
للنظام. وبغضّ النظر عن مقدار "تفعيلها" ضده "قيصر، الكبتاغون، والآن
قانون ضد التطبيع، وسواه"، وهناك التصريحات المستمرّة إنّها لن تنسحب من سورية،
وهو ما أكّدته بعد تصريحاتٍ روسية وإيرانية أنّها تهدف إلى طرد القوات الأميركية من
سورية.
يقول العقل
إن الولايات المتحدة ذاهبة إلى انتخابات رئاسية في 2024، وليست بصدد قيام الحرب، ورغم
أن الرئيس بايدن يميل إلى إبقاء سورية ورقة مهمّشة في أوراق السياسة الخارجية، والتي
تعني إمكانية الانسحاب منها بقدرٍ ما، فإن سياسة الأجهزة العميقة، الجيش والأمن، في
أميركا، تؤكد البقاء، وذلك مع عودة الولايات المتحدة نسبيا إلى الخليج العربي، وقد
دعمت الإدارة الأميركية منطقة شرقي الفرات بأنواع جديدة من الأسلحة الثقيلة ومنظومات
الصواريخ والعربات القتالية، وكأنّها تتجه نحو الحرب، وليس نحو التحشيد من أجل الاتفاق
المؤقت مع إيران، بخصوص الموضوع النووي.
الجديد الآن
أن أميركا وتركيا تتقاربان، وأن أميركا وإيران تتباعدان أكثر فأكثر، سيما أن الأخيرة
تدعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وهناك من يؤكّد أن تحشيد روسيا شرق الفرات بقيادة
إيرانية وإرضاء لها، وما تزال إيران تعتمد سياساتٍ متشدّدة ضد دول الخليج، وتكاد صفقة
بكين بين إيران والسعودية تلفظ أنفاسها. الخليج، ورغم انفتاحه على إيران، يريد أيضاً
الوصول إلى سياسة متوازنة، وعدم التخلي عن مصالحه في الخليج (الجزر الثلاث للإمارات).
وقبل وقت قصير بدأت بوادر خلاف حول حقل الدرّة بين إيران والسعودية والكويت، وهناك
ضرورة إنهاء الحرب في اليمن، وتخفيف وجود إيران في العراق ولبنان وسورية. إذاً هناك
عدّة تغيّرات، لا يمكن تجاهل تدارسها، وتقود إلى تراجع موقع روسيا في سورية والمنطقة،
وعودة أميركا، وضرورة تحجيم إيران، وتقارب تركيا مع الغرب.
أن تتلمّس
إيران وروسيا التغيرات الدولية والإقليمية، وتحشد في شرقي الفرات، وأن تتمسّك الولايات
المتحدة بمواقعها في سورية، وتعود نسبياً إلى المنطقة، فهذا سيدفع تركيا نحو سياسةٍ
أكثر توازناً؛ فبعد أن كانت تعزّز علاقاتها مع روسيا، تعود إلى علاقاتٍ أقوى مع الغرب.
وفي سورية، سيكون الأمر باتجاه تخفيف العداء مع "قسد"، وتحجيم الأخيرة لصالح
فصائل عربية. ومن المفيد هنا الإشارة إلى لقاءات حدثت بين قادة من "قسد"
وقادة من هيئة تحرير الشام في الأسابيع الأخيرة، وطُرِحَ فيها موضوع تشكيل إدارة مدنية
موحّدة، سيما بعد سيطرة الهيئة على منطقة الفصائل التابعة لتركيا، مستقبلاً. بغض النظر
عن تحقق هذا الأمر، فهو يأتي في إطار التغيرات، والاعتقالات أخيرا، ورغم أنَّ أعداداً
منها كانت تعمل لصالح التحالف الدولي بقيادة أميركا، فإنّه لا يعني أن هيئة تحرير الشام
معادية لأميركا؛ فالجولاني يعمل، ومنذ طلاقه مع تنظيم القاعدة 2017، على رفع اسمه هيئته
من قوائم الإرهاب الأميركية، ولا يتوقف عن تصدير الرسائل إلى الإدارة الأميركية من
أجل قبول سيطرته على إدلب تحديداً.
إذاً، يأتي
التساؤل عن تغيّر عناصر المشهد ضرورياً، وفي الوقت ذاته، هناك قضايا أخرى، قد تثبّت
التعفّن وإبقاء أشكال التدخّل الخارجية والحدود المرسومة بين السوريات الأربع على حالها،
ما ليس ممكناً إبقاؤه ثابتاً. الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في حالةِ انهيارٍ يوميٍّ،
وتحديداً في مناطق سيطرة النظام، وهو الأساس في حدوث التغيير في سورية؛ أيّ تغيير السلطة
القائمة في دمشق.
المصدر: العربي
الجديد.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر
عن "آفاق نيوز".