هل تكون الصين الرابح الكبير من الحرب؟
آذار 23, 2022

علي أنوزلا

كيفما كانت نتائج الحرب في أوكرانيا، فإنّ الخاسر الأكبر فيها هو الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، شخصياً، وبلاده روسيا، فحتى لو دكّت دباباته العاصمة كييف، ونصب حكومة موالية لموسكو، فذلك لا يمكن أن يمحو الهزيمة المعنوية التي مني بها ثاني أقوى وأكبر جيش في العالم، فخلال أقل من شهر خسر هذا الجيش من الأفراد والعتاد ما لم تخسره قبله الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان. وحسب الإحصائيات الصادرة عن البنتاغون، فقدت القوات الأميركية 2352 عنصراً من أفرادها في أفغانسان ونحو 4487 عنصراً في العراق، ولم يسجّل خلال الحربين مقتل ضابط كبير بدرجة جنرال. فيما بلغ حتى الآن عدد ضحايا الجيش الروسي في حرب أوكرانيا، نحو 500 عنصر حسب أول حصيلة أعطتها القوات الروسية خلال الأسبوع الأول فقط من الحرب، ومقتل ضابط كبير برتبة جنرال، كان يشغل منصب نائب قائد أسطول البحر الأسود. أما إذا صدقنا ما يعلنه الجانب الأوكراني، فإنّ عدد الجنرالات الروس الذين سقطوا في الحرب بلغ خمسة جنرالات، وسقط معهم أكثر من 14 ألف جندي روسي. وإذا ما استندنا إلى أرقام المخابرات الأميركية فإنّ "تقديراتها المتحفّظة" تشير إلى مقتل سبعة آلاف جندي روسي، وهو رقم، في كلّ الأحوال، يفوق قتلى الجيش الأميركي في حربي العراق وأفغانستان طوال 20 عاماً!

وبعيداً عن التخوفات قبيل الحرب التي كانت تحذّر من مغبة استفزاز الدب الروسي، بدعوى أنّه سيقضم أوكرانيا خلال أيام فقط كما فعل عام 2014 مع جزيرة القرم، يواجه اليوم الجيش الروسي مقاومةً شرسةً من الأوكرانيين، فيما تواجه روسيا عزلةً دوليةً غير مسبوقة، ويجد رئيسها نفسه منبوذاً في العالم، وتحاصر الاقتصاد الروسي عقوبات اقتصادية قاسية، من شأنها أن تضعه في مأزق خطير قد يدوم سنوات، لأنّ العقوبات الغربية لن تسقط بجرّة قلم وإنّما بشروط قاسية وطويلة الأمد، كما حصل ويحصل مع الدول التي سبق أن عانت من مثل هذه العقوبات.

وفي المقابل، لا يمكن للغرب الذي يدعم أوكرانيا أن يدّعي أنّه سيكون الفائز في هذه الحرب، فهو أولاً خسر في تجنّب الحرب، عندما دفع أوكرانيا إلى المحرقة. وعلى الرغم من كلّ الدعم المالي والعسكري غير المسبوق الذي سارعت عواصم الغرب إلى تقديمه، وبسخاءٍ منقطع النظير إلى أوكرانيا، فإنّ الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لا يفوّت أيّ فرصة لتأنيب الغرب، لأنّه تخلى عن بلاده وتركها تواجه مصيرها وحدها، وهذا المصير ستفكر فيه الدول الطامحة إلى الانضمام إلى حلف الناتو مستقبلاً، أو التي تعول على حماية الغرب، لأنّها قد تجد نفسها في مواجهة مصير أوكرانيا وحدها من دون حليف أو سند. وإذا كان الغرب يبدو اليوم موحّداً في مواجهة روسيا، فلا يُعرف إلى متى سيبقى متحداً، لأنّ الدول الغربية ليست كلّها قادرة على استيعاب تداعيات عقوباتها الاقتصادية على بلدانها. وفي حال طال أمد الحرب، سيبقى استمرار وحدة الغرب مفتاح تأثير عقوباته ضد روسيا.

من السابق لأوانه معرفة أيٍّ من طرفي هذه الحرب سيخرج منتصراً منها، لكن هناك دولة واحدة يبدو أنّها التي ستجني نتائجها رغم أنّها لم تخضها؛ إنّها الصين، خصوصاً إذا ما نجحت في أن تجنّب اقتصادها التداعيات السلبية لهذه الحرب الاقتصادية والدبلوماسية، وتحافظ على قوته. وأكثر من ذلك على صورتها جنة للاستقرار والتنمية، بل وسيطا يملك أوراقاً كثيرة تؤهله لأخذ زمام المبادرة الدبلوماسية، فقد تجنبت الصين حتى الآن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي المقابل نددت بالعقوبات الدولية المفروضة على روسيا، وفي الوقت نفسه، لم تبادر إلى إعلان دعمها المباشر لبوتين، وتطرح نفسها وسيطاً للمساعدة في إيجاد حلّ يساعد في تسوية سلمية للأزمة بين الغرب وروسيا، فالصين ترى في هذه الحرب أصعب اختبار لأميركا لتثبت نفسها زعيمة للعالم، وتنتظر أن تكون بداية انهيار زعامة أميركا العالم، وفي الوقت نفسه، لا تريد أن يخرج منها بوتين منهزماً أو ضعيفاً، لأنّها تدرك أن دورها سيكون التالي، بما أنّ أميركا ستحول كلّ مواردها العسكرية نحوها لمواجهتها. كما أنّ أيّ انتصار لبوتين سيكون مقلقاً لبكين، لأنّه سيجعل كلّ الدول الأوروبية خاضعةً للحماية الأميركية وتابعة لإملاءاتها.

وفي انتظار أن يزول دخان القصف، تزن بكين خياراتها بدقة، للاستفادة من التحولات الجيوسياسية التي ستفرضها هذه الحرب بعد أن تضع أوزارها. وبالنسبة لها، فإنّ أيّ منتصر في هذه الحرب سيكون ضعيفاً، وكل المتحاربين اليوم سيخطبون ودّ التنّين الصيني لإيجاد توازنات في عالم ما بعد الحرب الأوكرانية. لقد نجحت الصين عبر التاريخ في تحويل كلّ الأزمات التي مرّت فيها إلى فرص للنجاح والإقلاع من جديد، وهي تجد الآن نفسها أمام اختبار جديد وصعب، لكنّها تدرك أنّها كلما صمدت أمام ضغوط طرفي الحرب في جرّها إلى الدخول في أتونها، أو فقط استقطابها للاصطفاف خلف أحدهما، نجحت في تحويل نفسها إلى قوة توازنٍ عالميةٍ يعتمد عليها استقرار العالم مستقبلاً. هذا، إذا لم تكن تخطّط فعلاً إلى أن تتولّى بنفسها قيادة العالم الجديد الذي سينبثق من دخان هذه الحرب!

المصدر: العربي الجديد.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".