جورج شاهين
من
المهم جداً ان يقتنع اللبنانيون بأنّ تعيين الوزير جان ايف لودريان موفداً شخصياً للرئيس
الفرنسي ايمانويل ماكرون، لم يلغ موقع أي مسؤول فرنسي آخر، ولاسيما أعضاء «خلية الأزمة»
الرئاسية بأقطابها الثلاثة. وانّ عليهم من اليوم وصاعداً السعي الى وضع حدّ لرغباتهم
وتمنياتهم والخضوع للدروس الخارجية، بعدما قدّموا أفضل نموذج من العجز والفشل بانتظار
من يعلّمهم كيف ينتخبون رئيساً؟
تعاظمت
أجواء الخيبة الدولية من أداء السلطة التشريعية بعد ان اقتربت البلاد من نهاية الشهر
الثامن من خلو سدّة الرئاسة من شاغلها، من دون ان تعبّر عن قدرتها بتطبيق الدستور وما
يقول به النظام الديموقراطي البرلماني بانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية قبل القيام
بأي عمل آخر. والأخطر إن توقّف المراقبون الديبلوماسيون الذين عبّروا عن رغبتهم بمساعدة
اللبنانيين لإنجاز الإستحقاق الدستوري أمام الاعترافات المتتالية بفشل المجلس النيابي
في إتمام مهمّته من دون أي حرج أو حياء. وخصوصاً عندما تتزامن هذه الاعترافات مع الدعوات
إلى مخالفة الدستور وتجاوز القوانين المعمول بها بطريقة ملتبسة، على الرغم من النتائج
السلبية المترتبة على مثل هذه الخطوات التي تعمّم الفشل على مختلف الأصعدة. وهو ما
أدّى الى تعطيل عمل زميلتها السلطة التنفيذية التي باتت تمارس مهمّات «مغتصبة» بحكم
الأمر الواقع، متجاهلين معاً مصالح الوطن والمواطنين، وليزيدوا من مأساة شعب يدّعون
تمثيله.
لا تحتاج هذه القراءة إلى ما يدعمها
من مظاهر العجز والفشل التي عمّت معظم المؤسسات والهيئات الدستورية والادارية والمالية،
وانعكاساتها السلبية على مختلف وجوه حياة اللبنانيين، في ظل منظومة لم تأبه لكل ما
حصل حفاظاً على بقاء امتيازاتها أياً كانت الكلفة المترتبة عليها. فأركانها الذين تجاوزوا
مختلف قواعد اللعبة الدستورية والسياسية والوطنية في لبنان، لم يتردّدوا بدعوة المواطنين
في اكثر من مناسبة إلى القبول بما يعيشونه من ذلّ ومهانة، والتضحية بالحدّ الأدنى من
مكتسباتهم بعد مصادرة مدخراتهم الشخصية والتضحية بالثروات الوطنية وإضاعتها وفقدان
كل خدمات الدولة البديهية، بانتظار التحولات الإقليمية والدولية لتسييل الانتصارات
المؤجّلة في المنطقة وترجمتها في الداخل بهدف قلب الموازين بطريقة تخدم رغباتهم وأمانيهم
بالسيطرة على مقدّرات البلاد والعباد بطريقة لا يحتملها الوطن الصغير، بعدما أنهكته
المناكفات والمكائد الشخصية التي قادت الى تدمير المؤسسات وتعطيلها على مدى السنوات
الماضية.
والأخطر من كل ما يقود إلى هذه المؤشرات
السلبية، يكمن في اعتراف الجميع من مواقع مختلفة، بأنّ عجزهم عن القيام بما هو مطلوب
منهم في أكثر من مجال، له ما يبرّره بإلقاء اللوم كل على الطرف الآخر، بما يمكن ولا
يمكن تبريره. وهو ما ترجمته الاتهامات المتبادلة وبناء السيناريوهات التي تقطع الأمل
بإمكان قيام الدولة، وحسم الخطوات الهادفة الى تسهيل العبور الى مرحلة اكتمال عقد المؤسسات
الدستورية وتوفير من يتولّى من خلال موقعه الأول في رئاسة الدولة، العمل على انتظام
العلاقات بين السلطات والمؤسسات الدستورية وإحياء الأمل بإمكان حماية ما تبقّى منها،
ومنها تلك الأجهزة التي صمدت بجهود شخصية من قادتها ورؤسائها وإعادة بناء ما تعطّل
وتهدّم منها واستعادة أدوراها المفقودة، تأميناً لأبسط حقوق مواطنيها والمقيمين على
أراضيها.
بناءً على ما تقدّم، فقد حضرت كل هذه
المعطيات على طاولة أحد المراجع الديبلوماسية عند قراءته للتطورات الاخيرة. ولمّا توقف
أمام ما انتهت اليه الحلقة الثانية عشرة من مسلسل انتخاب الرئيس يوم الأربعاء الماضي،
رأى ما يثبت وما لا يرقى اليه اي شك، عجز اللبنانيين عن ممارسة اللعبة الداخلية الضامنة
لإتمام الاستحقاق الرئاسي. وتجلّى ذلك باللجوء الى فرائض الامر الواقع وتعطيل اللعبة
الديموقراطية التي قالت بضرورة المضي بعقد الدورات الانتخابية للمجلس النيابي إلى الدورة
المؤدية الى انتخاب الرئيس، أياً كانت النتيجة المترتبة عليها، وبعيداً من منطق استغلال
ما يقول به الدستور من خطوات تعطيلية تؤدي الى عدم إتمام المحطات الدستورية لا بل إلى
تجميدها إلى اجل غير محدود، على قاعدة انّ من استنسخ الدستور من التجارب الديموقراطية
الدولية ومن صاغه ووضعه لم يكن يحتسب انّ هناك من سيستخدمه في اي لحظة بهذه الطريقة
الهدّامة المؤدية الى مزيد من الانهيارات على مستوى الوطن.
وعليه، فقد لفت المرجع الديبلوماسي
الى خطورة ما بلغه الوضع. فالتعهدات التي قُطعت للمراجع الاقليمية والدولية، التي طلب
اللبنانيون مساندتها ودعمها لتذليل بعض العقبات التي تحول دون إتمام الاستحقاق الرئاسي،
لم يقدّموا المثال المطلوب لمدى التزامهم بما تعهّدوا به. لا بل فقد تسابقوا الى مراحل
التعطيل وتجميد العمل الدستوري، بطريقة دفعت هذا المجتمع الى قناعة إضافية باستحالة
ان ينجز اللبنانيون ما هو مطلوب منهم بالحدّ الأدنى. وانّ الرعاية الدولية باتت على
قاب قوسين أو أدنى من خطوتين متناقضتين، أولاها القبول برعاية الحل وبذل الجهود الإضافية
«لسوق» اللبنانيين الى الحل وباللغة التي يفهمها المعطّلون من جهة، وثانيها التبرؤ
من مختلف الوعود التي قُطعت من اجل المساندة على مختلف المستويات، وليكن ما يكون في
لبنان.
عند هذه التقاطعات قرأ المرجع الديبلوماسي
ما هو منتظر من زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت غداً، حاملاً
أكثر من رسالة تتجاوز مهمّته الفرنسية الى أخرى أكثر شمولية، ولاسيما انّه سينقل الى
اللبنانيين ما انتهت اليه القمة الفرنسية - السعودية مضافة الى حصيلة مشاورات وزيرة
الخارجية كاترين كولونا العائدة للتو من جولة خليجية كانت لها محطات لبنانية في الرياض
والدوحة، قبل ان تلتقي نظيرها السعودي قبل زيارته إلى الصين وبعدها فور عودته أمس إلى
باريس للالتحاق مجدداً بوفد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
والى هذه المعطيات غير الثابتة، وما
توحي به من رسائل سلبية تجاه عقم المعالجات للوضع في لبنان وفشل قادته بملاقاة الاهتمام
الدولي في منتصف الطريق، ينبغي على اللبنانيين توقّع المزيد من الرسائل المحمولة من
لودريان. فهو يدرك التعقيدات اللبنانية التي لم يتمكن من تفكيك أي منها ما بين آب
2020 وبداية صيف 2021. فهو قام بأكثر من مهمّة لترتيب البيت اللبناني دون جدوى. وهو
يعلم انّ ما يجري اليوم من انهيارات قد أسست له الجرائم والأخطاء المرتكبة منذ تلك
الفترة، وتجاوز ما يقول به الدستور والتبرؤ من الوعود التي قُطعت بشأن الإصلاحات الادارية
والمالية المطلوبة، على الرغم مما حمله من «عصي» التهديدات و»جزر» الوعود طيلة تلك
المرحلة من دون ان يحقق اي انجاز.
والأسوأ من كل هذه المعطيات التي تتحكّم
بعقل وقلب لودريان، معرفته الأكيدة بانّه لن يلتقي بأي مسؤول جديد في بيروت يمكن الرهان
على تعهداته. فهم أنفسهم ممن نكثوا بوعودهم لماكرون وغيره من رعاة الحل في لبنان، مع
صعوبة المهّمة التي يمكن تلخيصها بكيفية تعليم اللبنانيين بأصول وآلية انتخاب الرئيس
بطريقة ديموقراطية يدّعون التمسك بها، قبل ان تبدأ المراحل الاخرى التي تقود إلى الحل
المنشود.
المصدر: الجمهورية.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن
رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".