وائل نجم
يوم الجمعة
الماضي ومن دون سابق إنذار أو مقدّمات، أُعلن في العاصمة الصينية "بيجين"
عن توقيع اتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية
إلى سابق طبيعتها قبل سبع سنوات، وقد كان لهذا الإعلان أثر إيجابي على بعض الملفات
والساحات ومنها لبنان، بينما شكّل صدمة كبيرة لبعض القوى الإقليمية والدولية التي كانت
تراهن على صدام عربي إيراني يستنزف الطرفين.
وبعيداً عن
الظروف التي أملت على الطرفين الإسراع في التوقيع على الاتفاق، وبعيداً أيضاً عن ما
يمكن أن يكون قد تضمّنه هذا الاتفاق، وبغض النظر عن النجاح أو النصر الذي حقّقه الصينيون
على طريق تكريس نظام متعدّد الأقطاب عالمياً، فإنّ هذا الاتفاق شكّل فرصة حقيقية لبعض
المناطق والساحات المتوتّرة أو الملتهبة للخروج من توترها، ومن هذه الساحات لبنان.
فلبنان يعيش
منذ فترة أزمة سياسية معقّدة تنعكس بشكل كبير على الواقعين الاقتصادي والاجتماعي، ولاحقاً
ربما تنعكس أيضاً على الواقع الأمني.
فالأزمة الاقتصادية
العميقة التي تعصف بلبنان، والتي أودت بالوضع المعيشي، تحتاج إلى حلول سياسية تشكّل
المفتاح الأساسي للعقد الاقتصادية، ومن هنا يرى الجميع في لبنان والخارج أنّ مفتاح
الحلّ هو في انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد الشغور الرئاسي، والقيام بإصلاحات حقيقية
في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقنع الدول المانحة أنّ أموالها التي
تقدّمها للبنان تذهب في المكان الصحيح.
والجميع أيضاً
كان يدرك أنّ الخلافات العميقة بين السعودية وإيران تنعكس على العديد من المناطق والساحات
ومنها لبنان، وتعيق الوصول إلى حلول لبعض المشاكل ومنها الرئاسة في لبنان. واليوم وبعد
التوقيع على الاتفاق الإيراني السعودي يمكن القول إنّ الفرصة باتت مهيئة ومتاحة من
أجل الإفادة من هذا المناخ والجو ومن ثمّ الذهاب لانتخاب رئيس توافقي تبدأ معه الحلول
لباقي المشكلات، فهل ستتجه القوى اللبنانية السياسية الأخرى إلى اقتناص هذه الفرصة،
وتقديم المصلحة اللبنانية لإيجاد الحلول لمشاكل الشعب اللبناني؟ أم ترى سيظلّ كلّ طرف
فيها غارقاً بمتاهات الأنانية والمصلحية الضيّقة؟!
قد لا تكون
الأيام الأولى التي تلت توقيع الاتفاق هي التوقيت الصحيح لبدء رحلة التغيير والحلّ
في لبنان، فالأمور والأشياء ليست رهينة "كبسة زر"، بل هي مسار يحتاج إلى
بعض الوقت من أجل تشكيل القناعات من ناحية، ومن أجل التأكّد من مسار تعافي العلاقات
الإيرانية السعودية، وبالتالي فإنّ الأيام الأولى التي تلت هذه التوقيع قد تكون فترة
سماح، ولكن لا يجوز أن يبقى الأمر على ما هو عليه بعد ذلك، ومن المفترض أن تنخرط القوى
السياسية والنيابية في حوار مفتوح توصلاً إلى شخصية توافقية تكون محل رضا وثقة أغلب
اللبنانيين، وتحظى أيضاً بثقة الخارج المؤثّر بالداخل اللبناني، فحتى لا نعيش الوهم
ونقول إنّ الخارج لا علاقة له، فإنّ القوى الخارجية المهتمّة بلبنان يعنيها معرفة الشخصيات
التي ستتعامل معها، والنظام السياسي الذي سيضمن بعض المصالح لهذه القوى الخارجية، وعليه
فإنّ رحلة البحث عن الرئيس التوافقي يجب أن تبدأ سريعاً من أجل مواكبة سرعة تنفيذ اتفاقيات
استعادة العلاقات الإيرانية السعودية وصولاً إلى بدء مسار تعافي لبنان.
الاتفاق الإيراني
السعودي على عودة العلاقات الثنائية بين البلدين، وربما لاحقاً التوافق على العديد
من الملفات بعد بناء الثقة، يشكّل فرصة حقيقية وجدّية لبدء تعافي لبنان من أزمته، فالدولتان
لهما ثقل إقليمي وتأثير فاعل في الداخل اللبناني، وبالتالي فإنّ اتفاقهما والتقليل
من حجم الخلاقات بينهما فرصة للبنان لبدء مسيرة التعافي، والمسؤولية بعد اليوم تقع
على عاتق القوى السياسية اللبنانية لا سيّما تلك التي تصنّف في خانة الحلفاء لهذا الطرف
أو لذاك المحور.