هل يصعد برميل النفط الى 300 دولار
آذار 23, 2022

د. محمد موسى

ملفتة كل التصاريح المتعلقة بشؤون الطاقة في هذه الأيام العصيبة التي تمر بها كل الأسواق العالمية والاقتصاد العالمي برمته والذي ينعكس على العالم بكل دوله المقسومة بين مستورد ومورد في قطاعات الطاقة فالأول يشكو ارتفاع الأسعار التي تضرب في صميم انتاجه وحركته التجارية والصناعية والثاني بات مهدد بالإمدادات المطلوبة وكيفية ضبط إيقاع السوق بفعل جملة تحديات ظهرت مؤخرا" على ضفاف الحرب الروسية الأوكرانية.

أولى التحديات تجلت بفعل استمرار الحرب للأسبوع الرابع ممزوجة بالعقوبات المتتالية على روسيا والتي قد تكون كلفتها غاليا" ولكن بالمقابل ماذا عن الدول الأخرى وتحديدا" الدول الأوروبية التي تدمن استهلاك النفط والغاز الروسي وللتذكير فحوالي مئتي مليار متر مكعب من الغاز يذهب أكثر من ثلثيها الى الدول الأوروبية وللتأكيد المانيا لوحدها تستهلك 42% من الغاز الروسي ومعها على صعيد واحد إيطاليا ولاتفيا وبلغاريا والتي ان ارادت التحول فالأمر يحتاج الى أعوام فهل تلعب هذه الدول الصناعية بمورد طاقتها؟!!!!!!!!!

ام ثاني التحديات فهو القرار الأميركي بفرض الحظر على واردات النفط الروسي والذي لا يتجاوز بالمناسبة حركة 8% من الاستهلاك الأميركي ولكن ماذا عن الدول الحليفة، الا يشعر السيد الأميركي بأن نيران هذا القرار اصابت الحلفاء الأوروبيين قبل الروس وضربت ارجاء الكرة الأرضية بفعل ارتفاع الأسعار الى امكان قياسية وهي مرشحة للصعود ولا ادل على ذلك من تصريحات المسؤولين الروس الأخذة في التصاعد واخرها كلام وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك الذي قالها بالفم الملان ان أسعار برميل النفط ستصل الى ما يفوق 300 دولار؟!!!!!!! وقبله كلام الرئيس السابق ميدفيديف الذي يصب بنفس السياق حول أسعار الغاز، ولا ادل من كلام لوكالة الدولية للطاقة أنَّ ما لا يقل عن 1.5 مليون برميل يومياً من النفط ومليون برميل يومياً من المنتجات النفطية ستُفقَد على الأرجح من روسيا، اعتبارا" من أبريل المقبل وحتى نهاية العام الحالي على أقل تقدير؛ لأنَّ المشترين إمَّا يرفضون الإمدادات طوعياً أو يرفضونها لتجنُّب انتهاك العقوبات وعليه عند الحظر يرجح أن ينقص العرض الطاقاوي بنسبة 25 في المائة، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى ارتفاع الأسعار بشكل تلقائي، نتيجة لانخفاض نسبة العرض على الصعيد الدولي فروسيا ليست دولة هامشية فهي صاحبة الجلالة 10 مليون برميل يوميا" و 109 مليار متر مكعب غاز للقارة العجوز وحدها دولة يبلغ دخلها ما يقارب 300 مليار دولار من سوق الطاقة بما يقارب 8% من السوق العالمي للطاقة.

اما التحدي الأكبر فيتمثل في الامن الطاقوي في ظل الحديث عن انخفاض النمو العالمي وتباطؤ الحركة التجارية والخوف على الامن الغذائي مع أسعار الحبوب والقمع التي ترتفع بجنون قارب 40% والخوف على وصول نقص الغذاء الى 13 مليون انسان فكما قالت مديرة صندوق النقد الحرب في روسيا واكرانيا والمجاعة في افريقيا وربما دول كثيرة في عالمنا العربي بات امنها الغذائي على المحك.

لقد شكلت منطقة الخليج المحطة الأولى الخيار البديل الأول اعتبارا لامتلاكها طاقة فائضة فورية لتعويض النقص الروسي. لكن، حسب وكالة الطاقة الدولية، فإن السعودية والإمارات حتى الآن لا تظهران أي استعداد للسماح بالاستفادة من الاحتياطيات لديهما التزاما ببقاء اتفاقية أوبك بلس التي هي امام الامتحان الأصعب منذ تأسيسها بفعل التطورات الجيوسياسية القائمة ناهيك عن البيان السعودي البالغ الأهمية حول امدادات الطاقة العالمية بفعل المسيرات الحوثية.

لا شك إن الأمر سيكون له تأثير على الاقتصاد الروسي، حيث الخطر على ميزان المدفوعات من جهة ومن جهة أخرى الخطر في استيراد السلع في ظل تعقيدات العقوبات على البنك المركزي الروسي والحجز القائم على الكثير من أمواله. وعليه ان لم تستدرك الأمور فكل الاتجاهات تصب في خانة ارتفاع أسعار النفط الى مستويات قياسية قادمة، فحتى الساعة الغزل الأميركي لفنزويلا لم يفلح علما" ان البنى التحية لها تكاد تكون بحاجة لصيانة كاملة وتحتاج لسنوات، كذلك الاتفاق النووي الإيراني ان تم لن يضخ ما يكفي حيث انتاج إيران لا يتجاوز 2 مليون برميل يوميا" في الوقت الراهن والاصعب واللاعب الأكبر هو الصين الذي عليه خلق التوازن بين رؤيتها العالمية وحلفها لروسيا والحرص على العلاقات مع الأوروبيين.

ان السبيل الانجح للجميع هو سلوك طريق المفاوضات قبل ان تستنزف معركة الأسعار المرتفعة للطاقة الاقتصاد العالمي برمته الذي حتى الساعة لم يتعافى فعليا" من جائحة كوفيد 19 ولا من التضخم الذي يجتاح كل الدول.

أكاديمي وباحث في الاقتصاد السياسي

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".