صلاح سلام
يحبس اللبنانيون أنفاسهم هذه الأيام،
وهم يتابعون تطور المناوشات المتصاعدة على الحدود الجنوبية، خوفاً من خروج مفاجئ عن
«قواعد الإشتباك»، وإنجرار لبنان إلى حرب عشوائية، تُعرّض ما تبقَّى من مقومات الدولة
لخطر داهم.
بعيداً عن سفسطات الكلام الساقط على
وسائل التواصل الإجتماعي، بين أنصار حزب الله ومحازبي خصومه، والتي تنطوي على كثير
من التحديات الفارغة، والإستفزازات الرخيصة، لا بد من القول بأن الحرب ليست مجرد مغامرة،
بالنسبة للحزب تنتهي بيوم أو يومين، ولا هي نزهة بالنسبة للعدو الإسرائيلي في الأراضي
اللبنانية، التي يمكن أن تتحول إلى مقبرة لكثير من جنوده وللعديد من آلياته، كما حصل
في حرب عام ٢٠٠٦.
الحرب لن تبقى محصورة على المناطق المتجاورة
بين جنوبي لبنان وشمال الدولة العبرية، بل ستمتد على كامل الجغرافيا اللبنانية، قصفاً
وخراباً، كما ستصل نيرانها إلى الداخل الإسرائيلي، عبر ترسانة صواريخ الحزب، التي تُقدّر
بعشرات الأضعاف ما هو متوفر لدى «حماس» و «الجهاد» في غزة.
وتدخل هذه الحسابات في صلب «معادلة
الردع»، الذي كثر الحديث عنها في السنوات الأخيرة، والتي فرضت على العدو «العد للألف»
قبل الإقدام على أي خطوة عسكرية تتجاوز «قواعد الإشتباك»، المعمول بها منذ صدور القرار
الأممي ١٧٠١، الذي قضى بوقف إطلاق النار في حرب تموز ٢٠٠٦.
ثمة مؤشرات على محاولات دولية لإبقاء
المناوشات الحدودية تحت السيطرة، ولا تتطور إلى إشتباكات موسعة، قد تنزلق معها الجبهة
إلى حرب شاملة، وذلك تجبناً لإشتعال المنطقة في حرب إقليمية، غير محمودة العواقب.
ولكن ليس ثمة ضمانات بأن يبقى الوضع
على حاله من التوتر المحدود، بعد إرتفاع منسوب التسخين في اليومين الماضيين، وإقدام
العدو على تفريغ عشرات المستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية، وعلى مسافة خمسة كيلومترات
على الأقل، مما يعني أن الجيش الإسرائيلي يتحسَّب لأسوأ السيناريوهات المحتملة، بما
فيها توقع إختراقاً ممكناً من جانب مقاتلي حزب الله للمواقع الحدودية.
لا شك أن الحرب، في حال وقوعها، ستكون
مكلفة على لبنان، واللبنانيين طبعاً، الذين يعانون أصلاً من أشد الأزمات الإقتصادية
والمالية في تاريخ البلد الإستقلالي، ولا تتوفر لديهم أبسط مقومات الصمود في هذه الظروف
الصعبة.
ولعل واقع الإنهيارات المتدحرجة في
البلد، والغيبوبة التي تشل الدولة، وعجز السلطة المتمادي في إدارة الأزمة، والتخفيف
من معاناة الناس ، هي في صلب التحذيرات الشقيقة والصديقة من مغبة الإنزلاق إلى جحيم
الحرب، تحت طائلة الإمتناع عن المساعدة في ما تدمره الحرب، كما كان يحصل في الاعتداءات
الإسرائيلية السابقة. كما أن إدراك حزب الله لهذا الواقع، وغيره من المعطيات الأخرى،
قد يكون مساعداً على التريث والتبصُّر قبل الدخول في حرب جديدة مع العدو الإسرائيلي.
والواقع الإسرائيلي المتأزم داخلياً،
والمُربك عسكرياً، ليس بحال أفضل بكثير من الوضع اللبناني. فالإنقسامات الإسرائيلية
وصلت إلى الشارع، عبر التظاهرات الحاشدة المنددة بالحرب، والمطالبة بوقف إطلاق النار
فوراً، وعودة الجنود والرهائن سالمين إلى عائلاتهم، مُحمِّلين نتانياهو شخصياً تداعيات
هذه الحرب على المستويات الإقتصادية والإجتماعية والبشرية، بعدما تجاوز عدد الإصابات
في صفوف الإسرائيليين المعدلات المعهودة في الحروب السابقة.
كما أن الخلافات المستحكمة بين أعضاء
الحكومة المصغرة من جهة، والمجلس الحربي الثلاثي من جهة ثانية، بدأت تطفو على صفحات
الإعلام الإسرائيلي، الذي يتهم نتانياهو بتأخير العملية البرية في غزة، وإطالة أمد
الحرب لحساباته الشخصية، علَّه يستطيع إنقاذ مستقبله السياسي، والنفاد من المحاسبة
بعد إنتهاء الحرب.
لقد نجحت «حماس» ليس في إختراق جدار
مستوطنات غلاف غزة وحسب، بل دخلت إلى دائرة القرار الإسرائيلي وأحدثت فيها شرخاً، ليس
من السهل إلتئامه، وفتحت الباب واسعاً لخروج المتطرفين من دائرة السلطة في تل أبيب.
وغني عن القول أنه كلما طال أمد الحرب،
كلما تضاعفت الخسارة الإسرائيلية في أوساط الرأي العام العالمي، بعدما عمّت المظاهرات
المدن الأميركية والأوروبية، مستنكرة وحشية القصف الهمجي على غزة، ومنددة بمواقف حكوماتها
المؤيدة للعدوان، ومطالبة بإدخال المساعدات الضرورية للأهالي المحاصرين في دوامة النار
والدمار والإجرام.
فهل يزيد نتانياهو من خسائره ويغامر
بفتح الجبهة مع لبنان؟
المصدر: اللواء.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن
رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".