بيار عقيقي
قبل أربع سنوات،
كان اسم المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين معروفاً على نطاق ضيّق في لبنان، قبل أن يلمع
نجمُه بعد عامين، متحوّلاً إلى راعٍ لأهم اتفاق لبناني ـ إسرائيلي بشأن ترسيم الحدود
البحرية. لم تنتهِ مهمّته هنا. بات الرجل مطلوباً في عام 2024، لا للاستمرار برسم الحدود
البرّية اللبنانية مع الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل أيضاً لـ"المساهمة" في
انتخاب رئيس جديد للجمهورية، المنصب الشاغر منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون
في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022. ربما بعد عاميْن، حين يحلّ الموعد المفترض للانتخابات
النيابية اللبنانية، في حال لم يتبدّل شيء، قد يكون هوكشتاين راعياً لتشكيل اللوائح
الانتخابية في مختلف الأقضية اللبنانية، وساعياً إلى ترطيب الأجواء بين حليفين من أجل
توزيع المقاعد النيابية.
يتحوّل هوكشتاين
تدريجياً إلى غازي كنعان آخر، المسؤول عن جهاز الأمن السوري في لبنان لنحو عقدين، بين
عامي 1982 و2002. صاغ كنعان التحالفات النيابية، وصنع خريطة المجالس النيابية المتعاقبة.
ساهم في انتخاب رؤساء للجمهورية من دون ضجيج. أقال حكومات وشكّل حكومات في فترات قصيرة،
فلم يشعر أحدٌ بفراغ رئاسي أو حكومي أو نيابي. وحيث كان يقطن في عنجر اللبنانية على
الحدود السورية، كان كنعان يتلقّى الاتصالات من "شخصياتٍ لبنانية مرموقة"
تطلب منه خدمات من قبيل "الرجاء تدبير موعد مع الرئيس (الراحل) حافظ الأسد".
كنعان نفسه لم يكن الأول من نوعه في حكم لبنان، إذ سبقَه وتبعه كثيرون منذ ما قبل نشوء
لبنان بحدوده الحالية في عام 1920.
إذا كنتَ تأمل
أن التكرار قد يغيّر النتائج، فحتماً أنت مخطئ. السياسيون اللبنانيون عموماً، ومهما
كان شكل النظام، لا يريدون العمل فريقاً جماعياً، لذلك تستمر الحاجة إلى وسيط خارجي
لتأمين التفاهم الداخلي.
تجدر هنا ملاحظة
عدة محطّات، من قبيل أن حزب الله لا يقبل وسيطاً أممياً سوى هوكشتاين في ملفّ الجبهة
اللبنانية المحتدمة مع الاحتلال. العناق الحارّ بين رئيس المجلس النيابي نبيه برّي
وهوكشتاين سمة أساسية قبل أي لقاء. نائب رئيس المجلس النيابي، إلياس بو صعب، يعتبر
عاموس "صديقاً شخصياً". رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تحدّث بثقة
لوكالة رويترز، أول من أمس الخميس، عن "عودة هوكشتاين إلى لبنان" من أجل
الدفع نحو تهدئة المواجهات الجنوبية. الجميع متمسّكون برجلٍ أميركي ـ إسرائيلي أمضى
فترة من خدمته العسكرية في جيش الاحتلال في الجنوب اللبناني. مجرّد تخيّل أن أميركياً
من أصل إسرائيلي يحاول إرساء الهدوء بين حزب الله والاحتلال، والمواجهات ناجمة في الأصل
عن احتلال إسرائيلي لفلسطين في عام 1948، يُعدّ أمراً صادماً. لتسقط كل المعادلات الرياضية
وكل مفاهيم المنطق، لأن هناك، من الذين يؤيدون من يلتقي بهم هوكشتاين من اللبنانيين،
يبرّرون بشدة أسباب اللقاءات، ويفنّدونها، ودائماً "من أجل لبنان".
علينا، بما
قُدّر لنا من عقلٍ، التعامل الواقعي مع صعود هوكشتاين إلى رتبة "صانع الملوك"
في لبنان، وتقديم صولجان العرش اللبناني له، بعدما تناقله كثيرون، شرقاً وغرباً. وعلينا
الإدراك أنه في كل عهد تتقدّم فيه طائفة إلى الواجهة، كان لا بد من حاكم خارجي يواكب
إدارة لبنان. الآن، وقع الدور على هوكشتاين، في أعمق تغلغل من نوعه للأميركيين في لبنان،
على مستوى الدولة وكل أحزابها من دون استثناء، وبإرادتها وطلبها.
وإذا كانت عبارة "هكذا يريد الأستاذ غازي" قد حكمت
لبنان ردحاً من الزمن، فإن جملة "هكذا يطلب مستر عاموس" سترسّخ ما كان سائداً
في الوسط السياسي اللبناني، أن اللبنانيين غير قادرين على إنتاج صيغة حكم، وإن وُجدت
يتحايلون عليها، وإن قُيّض لهم لافتعلوا حروباً أهلية متناسلة، فلا يعود أمامهم خيار
سوى تسليم ما تبقّى من هذه الشركة المفلسة إلى لاعب خارجي وتقديم الطاعة له.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر
عن "آفاق نيوز".