ويبقى الأصل انتخاب الرئيس
كانون الأول 09, 2022

د. وائل نجم

مطلع الأسبوع الجاري عقدت حكومة تصريف الأعمال اجتماعاً في السراي الحكومة برئاسة رئيسها نجيب ميقاتي وبناء على دعوته لبحث بعض الأمور والملفات الملّحة التي تتصل بحليب الأطفال والأدوية المزمنة والمستعصية.

الجلسة دار حولها وحول الحكومة من قبلها جدل دستوري عميق وعقيم، وكادت لا تنعقد لأنّ بعض الوزراء والجهات السياسية التي تقف خلفهم، والتي قالت سابقاً إنّها غير ممثلة في هذه الحكومة عند تشكيلها، لم ترد للجلسة أن تنعقد، ولذلك قاطع بعض الوزراء على أساس أنّ الجلسة غير دستورية وغير شرعية، فيما موت الأطفال دون حليب، والمرضى الذين ينتظرون الأدوية للأمراض المستعصية أمر دستوري وشرعي ولا إشكالية حوله أو فيه.

قاطع بعض الوزراء المسحوبون على التيار الوطني الحر الذي خرج رئيسه بعد انعقاد الجلسة وإتمام ما يلزم من مقتضيات تصريف الأعمال لناحية تأمين حليب الأطفال والأدوية وشنّ هجوماً لاذعاً على الحكومة ورئيسها وعلى الجلسة ودستوريتها واصفاً تلك الجلسة باللاشرعية واللادستورية، وأنّها افتئات على صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي، وعلى دور المسيحيين في البلد، منطقلاً من كون الحكومة هي حكومة بحكم المستقيلة.

من حقّ التيار الوطني الحر أو أيّة كتلة نيابية أن يكون لها تفسيرها الخاص لبعض المواد الدستورية، ولكن ليس من حقّها أن تفرض ذلك على اللبنانيين، إذ أنّ تفسير الدستوري هو حق حصري للمجلس النيابي، وهو الذي يفصل في معنى أيّة مادة قانونية أو دستورية. ولكن ليس من حقّ أي قوّة سياسية أن تمارس لعبة الابتزاز السياسي على اللبنانيين في لقمة عيشهم وحبة دوائهم وحليب أطفالهم!

تصريف الأعمال هو واجب هذه الحكومة التي لا أقول إنّها نجحت في الملفات التي نذرت نفسها لها، بل على العكس من ذلك وهي مسؤولة كغيرها عن الوضع الذي وصلت إليه الأمور في البلد على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ولكن من واجبها أيضاً في هذه اللحظات أن تقوم بالحدّ الأدنى المطلوب منها في تصريف الأعمال وتأمين الحدّ الأدنى من مصالح المواطنين.

إنّ أقصر الطرق لوضع حدّ لتصرفات وعمل حكومة تصريف الأعمال إذا كانت لا ترضي بعض الأطراف السياسية، أو الحفاظ على صلاحيات رئاسة الجمهورية، هو بالذهاب إلى المجلس النيابي وانتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد، وليس تعطيل جلسات الانتخاب من خلال التهرّب من الحضور في الجلسات التي يحتاج فيها الفوز إلى 65 صوتاً، وتعطيلها نصابها بالهروب من القاعة العامة للمجلس.

إنّ الحلّ الحقيقي يبدأ من انتخاب الرئيس، ولتذهب كل قوّة سياسية إلى المجلس وتنتخب من ترى فيه القدرة على انتشال لبنان مما هو فيه، وليس بالاقتراع بورقة بيضاء كل مرّة، ومن ثمّ الخروج من الجلسة الثانية قبل أن تبدأ خوفاً من تأمين نصاب انعقادها وحتى لا يفوز فيها أيّ مرشّح يمكن أن يحصل على 65 صوتاً فيها.

إنّ الذي يعطّل هذه البداية هو المسؤول عن أكثر الأزمات التي يعانيها ويعيشها البلد، وهو الذي يؤخّر الحلول، وهو الذي يتعدّى على صلاحيات الحكومة والرئاسة بل على مصالح ومستقبل اللبنانيين، على قاعدة إمّا أنا أو أحرق البلد بالأزمات والفوضى الاقتصادية والسياسية غيرها.

يبقى الأصل في كل الأزمة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأيّة معركة خارج هذا التوجه هي لذر الرماد في العيون وتضليل الرأي العام اللبناني والمسيحي على وجه التحديد بانتظار أن يُؤتي التعطيل نتائجه كما حصل في وقت سابق، ولكنّه هذه المرّة لا يبدو أنّه سيكون مؤاتياً لأصحاب منهج التعطيل والتضليل والتهويل.

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".