محمد أحمد بنّيس
قد لا يكون من المبالغة القول إنّ مونديال
قطر يبقى النقطة العربية المضيئة في عام 2022. فلم تنجح دولة قطر فقط في تنظيم أفضل
نسخة في تاريخ كأس العالم، بل نجحت أيضاً في إضفاء مسحة ثقافية عربية على هذه النسخة،
تبدّت في أكثر من موضع وموقف. وجاء تألق المنتخب المغربي، بوصوله إلى نصف النهائي واحتلاله
المرتبة الرابعة، ليؤكّد قوة هذا الحضور العربي ''الاستثنائي'' وغير المسبوق في محفل
كروي ورياضي كوني بحجم كأس العالم لكرة القدم.
عدا ذلك، لم يكن المشهد العربي العام
أفضل مما سبقه من أعوام، فبعد انصرام أكثر من عقد على اندلاع ثورات الربيع العربي،
يستمرّ تحالف الثورة المضادة والاستبداد الجديد في تفكيك تركة هذه الثورات وتصفيتها،
وذلك بتجفيف منابع الاحتجاج السلمي وملاحقة المعارضين والناشطين وتكريس حالة من الاستسلام
(والندم أحياناً!) داخل الرأي العام العربي جرّاء ''مغامرة الربيع العربي''. بدا ذلك
في تونس، إذ لم يتردّد الرئيس قيس سعيّد، مسنوداً بالدولة العميقة والقوى المجتمعية
المحافظة، في إحكام قبضته على المشهد السياسي ومحاصرة خصومه والتضييق على المجتمع المدني،
وهو ما زاد من حدّة الاحتقان الاجتماعي والسياسي في البلاد، وعجّل بنهاية الاستثناء
التونسي. بالتوازي مع ذلك، نجحت الثورة المضادة في المنطقة في إجهاض محاولات التغيير
السياسي التي شهدتها الموجة الثانية من الربيع العربي في الجزائر والسودان ولبنان والعراق،
مستفيدةً من السياق الدولي المتمثل في التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا،
وارتداداتِ الحرب الروسية الأوكرانية على الوضع المعيشي، المأزوم أصلاً، وانكفاءِ حركات
الاحتجاج والمعارضة، وتغوّل السلطوية العسكرية (في الجزائر والسودان)، هذا إضافة إلى
تأثير القوى الإقليمية والدولية على المشهد الداخلي في هذه الأقطار، ولا سيما بالنسبة
لإيران التي لا تزال تعتبر العراق ولبنان حديقتين خلفيتين لها، تساوم بتوازناتهما المذهبية
والسياسية على موقعها في معادلة القوة والنفوذ في الإقليم.
في السياق ذاته، لم يأتِ عام 2022 بجديد
بشأن الأوضاع في سورية واليمن وليبيا، فقد تواصل نزيف الاحتراب الأهلي، أمام عجز القوى
المعنية، داخلياً وإقليمياً ودولياً، عن التوافق على تسوياتٍ سياسيةٍ تضع حدّاً لمعاناة
ملايين النازحين واللاجئين، وتعيد بناء اللحمة الوطنية وتحقق المصالحة في هذه البلدان.
على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي،
وباستثناء دول الخليج العربي، واجهت معظم الحكومات العربية صعوباتٍ جمّةً في الاستجابة
لتطلعات شعوبها في التنمية والعدالة الاجتماعية، في غياب برامج وسياسات عامة، كفيلة
بالحدّ من الفقر والبطالة والتضخم وارتفاع الأسعار وتردّي الخدمات الأساسية، وحماية
ما تبقى من مكاسب الطبقة الوسطى الحضرية. ولعلّ ذلك ما يفسّر الأولوية التي بات يحظى
بها العامل الاقتصادي بالنسبة للمواطنين العرب، حسب ما أوضح المؤشر العربي (2022)،
الذي يُصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ولا سيما بالنسبة لمواقفهم بشأن
تقييم الأوضاع العامة.
على صعيد القضية الفلسطينية، تتّجه
مسارات التطبيع مع الكيان الصهيوني نحو مزيد من الهيكلة المؤسّسية، تتجلى في الاتفاقات
الأمنية والعسكرية والاقتصادية التي عقدتها دول عربية معه. ولا شك في أنّ من شأن تنصيب
حكومةٍ، هي الأكثر تطرّفاً ويمينيةً في تاريخ هذا الكيان، أن يسائل المشروعية السياسية
والأخلاقية لهذه المسارات. لكن، في المقابل، أخفق هذا الكيان في اختراق جدار الرفض
الشعبي لكلّ أشكال التطبيع معه. وقد بدا ذلك، بشكلٍ لا يخلو من دلالة، إبّان مونديال
قطر الذي وقف فيه الإعلام الإسرائيلي على هذه ''الحقيقة المرّة''. ولم يفت المؤشر العربي
تأكيد ذلك، حين أورد أنّ 84 % من مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بإسرائيل،
في ما يبدو استفتاء شعبياً حول مسارات التطبيع وآفاقها في المستقبل. بيد أنّ هذا الإخفاق
الإسرائيلي لم تُوازِهِ، للأسف، ديناميةٌ فلسطينيةٌ تقطع مع الانقسام، وتؤسّس لمصالحة
وطنية واسعة تضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كلّ الحسابات الإيديولوجية والحزبية التي
تُفرّق مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية.
المصدر: العربي الجديد.
الآراء
الواردة في المقال تعبّر عن رأي صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".