اقتصاد وأكثر: القمم الصينية – السعودية – العربية .. أين اميركا؟
كانون الأول 01, 2022

محمّد موسى *

تنتظر الأراضي السعودية هبوط طائرة الرئيس الصيني شي جينبغ بفارغ الصبر وهي الزيارة التاريخية بكل ما تحمل من ابعاد سياسية – اقتصادية –استراتيجية لكل المشاركين فيها حيث ستغدو القمة الى قمم (صينية – سعودية، صينية – خليجية، صينية – عربية) بحسب ما يشار اليه حتى الساعة.

أولها واهمها مع المملكة العربية السعودية بوجهها الجديد الأكثر وطنية وعروبة و الأكثر حرصا" على مصالح المملكة ومكتسباتها و تجسيد لرؤية ولي عهدها في بلورة صورة سعودية عنوانها السعودية أولا" بكل الملفات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية على مرمى المستوى الدولي حيث غدا السعودي لاعبا" فاعلا" و بقوة على الساحة الدولية في ظل الازمات المتلاحقة عن الازمة الروسية – الأوكرانية من ازمة الوقود الاحفوري و معضلات الغاز و إمداداته و أسعاره وصولا" الى قرارات أوبك بلس الأخيرة ما سبقها عن تسعير النفط باليوان الصيني، وقمة المناخ و ما نتج عنها من تعهدات مالية و تنفيذية وصولا" الى أزمات التضخم المالي و الركود الذي بدأ يظهر في الكثير من الاقتصادات العالمية و ازمة الغذاء العالمي و ما تشكل هذه القضايا من الارتدادات على المستوى السعودي و الخليجي و العربي عموما".

تحضر الصين بعد إعادة الرئيس الصيني الى منصبه اقوى مما كان عليه والكل يدرك ومنذ القمة الأميركية – الصينية الأخيرة ان فحوى ما لم تقله القمة هو ان الصين اليوم باتت أكثر قوة وصلابة" وحضورا" وربما قد تكون في قابل الأيام عماد النظام الدولي السياسي والاقتصادي الذي هو طور التشكل في ظل تغير موازين القوى العالمية وان كان بالتدرج.

ستنعقد القمة ولا زال الحديث يدور عن فتور في العلاقات الأميركية – السعودية خاصة بعد زيارة بايدن الأخيرة والتي أظهرت امتعاضا" اميركيا" واضحا" تجلى بعد قرارات أوبك بلس الأخيرة والتي صنفها الاميركان بانها موالية لروسيا في اتهام صريح للمملكة بذلك. لذا حذرت الاستراتيجية الدفاعية الأميركية مرارا" من أن الصين تعمل على تقويض تحالفات الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ، وتستخدم جيشها المتنامي لإكراه وتهديد الجيران، هذا الشعور الأميركي بالخطر الصيني، نابع من أن الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها خطط وبرامج استراتيجية للهيمنة، وسياسات للتمدد خارج حدودها من خلال التعاون الاقتصادي والمالي التمويلي عبر القروض، فكيف سترى الولايات المتحدة امام اعينها هذه القمم؟!!!

تأتي الزيارة لتعزز العلاقات بالمعنى السياسي على مستوى قضايا المنطقة والعالم وربما الرغبة السعودية في جعل الصين أكثر انخراطا" في قضايا المنطقة العربية حيث مشروع الحزام والحرير الذي يرمي الى تحسين الترابط والتعاون على نطاق واسع يمتد عبر القارات، والتحرك للدفع بالتشارك في بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير للقرن الحادي والعشرين وبه الصين ترسم استراتيجيتها السياسية والاقتصادية على حد سواء فكيف ان وفرت لها الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية الطريق؟

وعلى قاعدة ان الأرقام لا تخطئ فقد اعلن مركز التمويل والتنمية الأخضر ومقره شنغهاي، أن ارتباطات الغاز بين الدولتين كانت أعلى مما كانت عليه في العامين الماضيين، وشكلت 56 % من مشاركة الصين في مجال الطاقة خلال 2021 المنصرم، وأن السعودية كانت المتلقي الرئيسي لاستثمارات الغاز بنحو 4.6 مليارات دولار، إضافة الى ذلك يوكد التقرير عن بلوغ قيمة صادرات المملكة إلى الصين خلال الشهر المنصرم 5.1 مليارات دولار، و التي تعدل ما يفوق 13.5 % من إجمالي الصادرات، ما يجعلها الوجهة الرئيسية للسعودية وزاد على ذلك ان الصين باتت الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وهي اليوم أكبر مشتر للنفط السعودي، حسب وزير النفط السعودي الامير عبد العزيز بن سلمان ، وقد اكدت اللجنة الفرعية لمبادرة الحزام والطريق الاستثمارات الكبرى والطاقة بان رؤيتها تسعى إلى تعزيز المواءمة بين رؤيتي السعودية والصين للمستقبل، خصوصاً في مجال الطاقة، الذي يشكل مدماكاً رئيسيا" و استراتيجيا" في العلاقة بين الدولتين وعليه من المرجح حصول السعودية على الاستثمارات الصينية الكبيرة لتصبح أكبر متلقٍ ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، خلال الشهور القادمة، فالحديث يدور عن 5.5 مليارات دولار ستكون حصة المملكة وحدها مما مجموعه 28 مليار دولار أي قرابة 18% و التي ربما تعد رافد تمويلي لجملة مشاريع استراتيجية على سلم اهداف الزيارة.

ان الناظر في الزيارة يدرك ان ابعادها الثلاثية لا تعد ولا تحصى ان لجهة الابعاد السياسية والاقتصادية والاخطر ان الابعاد الاستراتيجية تمتد الى الحديث عن جملة امور سترسم شكل ليس علاقة الصين بالسعودية والمنطقة انما علاقة الولايات المتحدة بعد هذه الزيارة خاصة اذا ما تطرقت الصالونات السياسية في الرياض الى جملة قضايا حساسة للولايات المتحدة حيث الحديث عن قواعد عسكرية صينية وتعاون عسكري مفتوح في لعبة التوازنات الدولية الجديدة خاصة اذا ما علمنا ان الصينيين يرون ان المنطقة باتت مسرحاً أساسياً لمنافسة القوى العظمى، ولدى بلادهم الإمكانات المادية والتقنية و القدرة على الانخراط في ذلك خاصة مع الانكفاءة الأميركية غير المبررة.

وعليه فبالقدر الذي تشهده العلاقات السعودية الصينية من تقدم، تبدو علاقات الرياض مع واشنطن ذاهبة نحو التعقيد، فعلاقة الرياض بالرؤية الأميركية تمهد للصينيين منفذاً رئيسياً إلى منطقتي الخليج والشرق وقارة أفريقيا، وليس هذا فقط، بل ربما والأرجح انه سيتم على حساب مصالح ونفوذ الولايات المتحدة في منطقة واسعة وغنية واستراتيجية. وتاليا" لن تتعامل أميركا مع سحب البساط من تحت قدميها من دون رد فعل يوازي حجم الخسارة التي ستتعرض لها، لذا انها زيارة ستحاط بإبرة ماهر وقرارتها ستصاغ بميزان الذهب خاصة ان السعودي لا يرغب في تعميق الخلاف مع الأميركي ولا يبدو ان هناك رغبة صينية في استفزاز الأميركي في ظل التعقيدات الدولية الحالية والمعادلة الذهبية للمملكة عنوانها: " نعم ان الخلافات موجودة مؤخرا والتباين يتزايد لكن هذا لا يعني أن السعودية ستفرط بعلاقاتها مع واشنطن ".

الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن "آفاق نيوز".

*أكاديمي وباحث في الاقتصاد السياسي

[email protected]