درع الشمال .. تسويق لعدوان جديد أم تهدئة لخواطر الداخل الإسرائيلي؟
كانون الأول 14, 2018

وائل نجم.

منذ قرابة عشرة أيام أطلقت قوات الإحتلال الإسرائيلي ما سمّته عملية "درع الشمال" بحثاً عن أنفاق قالت إن حزب الله حفرها من الجانب اللبناني وامتدت إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في منطقة الجليل وتحديداً قبالة بلدة كفركلا اللبنانية في مستوطنة "المطلة".

زعمت قوات الإحتلال أنها أكتشفت ثلاثة أنفاق تبدأ من لبنان وتصل إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعرضت لقطة مصورة لما قالت إنه أحد هذه الأنفاق، كما قالت إنها قامت بتفخيخها. ورافقت هذه الإدعاءات حملة تهديد ووعيد للبنان حكومة ومقاومة وشعباً ، مشيرة إلى أن "درع الشمال" قد تمتد إلى داخل الأراضي اللبنانية إذا اقتضت الحاجة ذلك. كما رافقت هذه التهديدات والإدعاءات حملة إعلامية منظمة داخل لعدو ، وفي الدول الغربية أيضاً ، وتجسّد ذلك بوضوح في لقاء رئيس حكومة كيان الإحتلال بنيامين نتنياهو، بسفراء الدول الغربية وتضخيم الحديث أمامهم عن خطر تلك الأنفاق، وكذلك اتصالاته بعدد من رؤساء الحكومات والدول لهذه الغاية.

في مقابل ذلك لم يكن هناك حديث لبناني واسع في هذا الملف، بل اكتفى رئيس المجلس النيابي بالتشكيك أولاً بتلك الأنفاق، ومن ثم الهدف منها، وكذلك أشار مدير عام الأمن العام إلى أن تلك الأنفاق قديمة وليست حديثة، فيما أكد الرئيس انتظار التحقيق النهائي لليونيفل ليصار إلى البناء على الشيء مقتضاه.

والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هل تسوّق حكومة الإحتلال لعدوان جديد على لبنان؟ أم ترى كل الضجيج الحاصل على الحدود هو من قبيل تهدئة خواطر الداخل الإسرائيلي ودفعه لاستشعار المخاطر لثنيه عن خطوات يعتزم القيام بها في مساءلة رئيس حكومة الكيان، وفي سياساته التي ينتهجها؟

والحقيقة أنه لا يمكن حسم الإجابة في مثل هذه الظروف والأوضاع التي تعيشها المنطقة، وإن كانت دولة الإحتلال تعمل دائماً على تحضير نفسها لحروب واعتداءات متتالية، بقدر ما يعمل قادتها على إلهاء وإشغال الداخل الإسرائيلي وتضليله من أجل التهرّب من المسؤوليات حيناً ، وفي لعبة التجاذبات والانتخابات الداخلية حيناً آخر.

وفي تفسير ما يجري على الحدود مع فلسطين المحتلة، تجهد حكومة الإحتلال إلى إثبات أن حزب الله يخرق القرار الدولي 1701 من خلال تواجده في منطقة جنوب الليطاني، ومن خلال حفر الأنفاق على الحدود وداخل الأراضي المحتلة، ومن خلال مصانع الصورايخ التي تحدث عنها نتنياهو أمام الأمم المتحدة، والتي قال إنها بجانب مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وكل ذلك من أجل تهيئة الظروف المؤاتية لشنّ عملية عسكرية في أي لحظة تسنح فيها الظروف بذلك، خاصة وأن من مصلحة كيان الإحتلال أن يوجّه ضربة لحزب الله ضمن التخطيط لإضعاف دور إيران في المنطقة، وقادة كيان الإحتلال يدركون أن الهامش يضيق أمامهم كلما استنفد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وقته في البيت الأبيض ، إذ من غير المتوقع أن يعود ترمب إلى الرئاسة الأمريكية في ظل نتائج الإنتخابات النصفية التي جرت الشهر الماضي في الولايات المتحدة، وعلى هذا الأساس قد يكون ما يجري عند طرف الحدود هو عملية تسويق لعدوان جديد قد تقوم به دولة الإحتلال في أي لحظة، ولكن ما يشير إلى صعوبات أمام هذا الواقع هو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يحكم الآن بثقة 61 نائباً في "الكنيست" من أصل 120، وهذا يعني أغلبية طفيفة جداً قد لا تخوّله الدخول في مثل هذه المغامرة. كما أن رئيس أركان الجيش الصهيوني، تنتهي ولايته في رئاسة الأركان نهاية العام الجاري، ومن غير المتوقع أو المقبول أن يشنّ رئيس أركان حرباً وهو يتجه نحو التقاعد، وبالتالي فإن هذه العوامل وغيرها تشكل معوّقاً أمام أي عدوان ، فضلاً عن حسابات الربح والخسارة التي يدرها العدو.

وأمام هذا المشهد ، هل يمكن القول إن ما يجري هو عملية تهدئة خواطر الداخل الإسرائيلي؟ نعم يمكن أن يكون الأمر في هذا السياق، لأن العدو يدرك أن هذه الأنفاق ليس لها خطورة الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، وهو يعرف بهذه الأنفاق منذ فترة، وقد أشارت بعض المعلومات إلى أن الحزب أوقف أحد العملاء في الفترة الأخيرة ممن كان على علم بمسألة الأنفاق، وبالتالي فان كشْف العدو عنها يرتبط بانكشاف عميله، واستثمار ذلك في القضايا السياسية والداخلية والتهويل.

كما أن رئيس حكومة كيان الإحتلال يعاني مأزقين في الداخل الإسرائيلي، أحدهما يتعلق بإمكانية انهيار حكومته في أي لحظة، وبالتالي الذهاب إلى انتخابات مبكرة في وقت هو غير مستعد لها بشكل كامل، بل هو متّهم بالتفريط بأمن المستوطين في مستوطنات غلاف غزة ، بالنظر إلى التهدئة التي فرضتها كتائب القسّام عليه، ودفعت بوزير الحرب لتقديم استقالته، فضلاً عن مأزق ملاحقته وزوجته في قضايا فساد أمام القضاء الإسرائيلي، وهما مأزقان كفيلان بدفع الأمور نحو هذا التصيعد على الحدود وبشكل مدروس من أجل تهدئة الخواطر وامتصاص الغضب والنقمة، ورفع مستوى التحدّي والخوف من أجل اجتياز هذه المرحلة. وهنا نلفت إلى ما صرّح به رئيس الجمهورية اللبناني الذي قال إن "إسرائيل" أخبرت لبنان عبر الولايات المتحدة أنها غير عازمة على شنّ أي عدوان على الأراضي اللبنانية.

لذا فإن ما يجري على الحدود قد يكون صداه موجّهاً نحو الداخل الإسرائيلي أكثر مما هو نحو لبنان، ومن دون أن يسقط المرء من حساباته غدر هذا العدو.