نتائج قمة القاهرة وتأثيرها على وضع الفلسطينيين في غزة: هل ستمنع تهجيرهم؟
آذار 08, 2025

خاص آفاق نيوز القاهرة – هاني طه

عُقدت قمة عربية استثنائية في القاهرة يوم الثلاثاء الماضي تحت عنوان "قمة فلسطين"، حيث كان الهدف الأساسي منها هو مناقشة "خطة لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها". وقد قامت مصر بإعداد هذه الخطة استجابةً لمبادرة أمريكية كانت تهدف إلى "الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير سكانه"، والتي أعلن عنها دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض أثناء زيارة بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة قبل عدة أسابيع. جاءت القمة كرسالة واضحة لقطع الطريق على أي محاولات لتهجير الفلسطينيين قسراً من غزة. وأكد المشاركون على حق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم، ورفض أي خطط لترحيلهم إلى دول أخرى، بما في ذلك مصر

تمت مناقشة وإقرار الخطة المصرية في "قمة تشاورية مصغرة" عُقدت في الرياض في 21 فبراير الماضي، حيث اقتصرت المشاركة فيها على دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن. لذا، كان من المتوقع أن يتم إقرارها بسهولة في القمة العربية الموسعة المشار إليها سابقاً. ولكن، هل يعني ذلك أن العالم العربي أصبح لديه الآن خطة بديلة قابلة للتنفيذ على الأرض، أم أن الخطة الأمريكية الإسرائيلية التي استهدفت تهجير الفلسطينيين، وربما ضم الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، قد باءت بالفشل؟كما أكد المشاركون على ضرورة إطلاق خطة دولية لإعادة إعمار غزة بعد انتهاء العدوان، مع ضمان توفير الدعم المالي والفني اللازم لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.

إن ممارسات النظام الرسمي العربي خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية لا تتيح استخلاص نتائج متسرعة. فعندما ردت "إسرائيل" على عملية "طوفان الأقصى" بشن حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، مع تصعيد العمليات العسكرية ضد المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، لم يتحرك النظام الرسمي العربي، رغم الخسائر البشرية والمادية الفادحة التي تكبدها الشعب الفلسطيني في كلا المنطقتين.

في قطاع غزة، كان الدمار هائلًا، حيث طال المساكن والمدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس. وبلغت الخسائر البشرية نحو ربع مليون شخص بين قتيل وجريح ومفقود، معظمهم من النساء والأطفال، وهو رقم ضخم يعادل تقريبًا 10% من إجمالي سكان القطاع. أما في الضفة الغربية، فقد تم تدمير عدد كبير من الأحياء السكنية في معظم مخيمات اللاجئين، حيث وصلت نسبة التدمير في بعضها إلى حوالي 90% من إجمالي المساكن، بالإضافة إلى تجريف العديد من الشوارع وإزالة البنى التحتية، مما أدى إلى تهجير آلاف السكان.

من الضروري أن نعترف بأن مصر والأردن قد لعبا دورًا حيويًا في المرحلة الحالية، حيث أدركا بسرعة أن الحرب التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة تهدف إلى إخلاء المنطقة من سكانها ودفع الفلسطينيين نحو النزوح القسري إلى سيناء. كما أن التصعيد العسكري في الضفة الغربية يهدف إلى دفع أكبر عدد ممكن من سكانها نحو اللجوء القسري إلى الأردن. وقد أعلن البلدان رفضهما القاطع لهذه المخططات الإسرائيلية. ومع ذلك، يجب أن نلاحظ أن النظام العربي الرسمي لم يشعر بالخطر ولم يبدأ في التحرك لمواجهة خطط التهجير إلا بعد أن تبنى ترامب هذه الخطط رسميًا، وأعلن عن مشروعه للاستيلاء على غزة وتحويلها إلى "ريفييرا عالمية"، بالإضافة إلى دعمه للخطط الإسرائيلية الرامية إلى ضم الضفة الغربية. وهذا يفسر المبادرة السريعة من السعودية للدعوة إلى قمة تشاورية في الرياض، وكذلك مبادرة مصر للدعوة إلى قمة استثنائية موسعة في القاهرة. ومن المهم الإشارة إلى أن "خطة ترامب للإعمار والتهجير" تضمنت بعدين: أحدهما فني والآخر سياسي.

في الجانب الفني، اعتمد ترامب في خطته على فرضيات تفيد بأن قطاع غزة قد دُمّر بالكامل وأصبح غير قابل للحياة، وأن إعادة إعمار المنطقة ستستغرق فترة طويلة تتراوح بين 8 إلى 15 عاماً، مما يجعل من الصعب ترك السكان بلا مأوى أو خدمات، خاصةً أن المساحة صغيرة وتكتظ بسكان عانوا من حروب متواصلة. ومن هنا، تبرز صعوبة إعادة الإعمار دون ترحيل السكان وتوطينهم في مناطق واسعة تتيح لهم العيش بسلام وأمان.

ولأن مصر قررت مواجهة هذا البعد الفني، كان عليها أن تقدم خطة معمارية شاملة ومفصلة، تثبت من خلالها عدم صحة الفرضيات التي اعتمد عليها ترامب، وتظهر بالدليل العملي إمكانية إعادة إعمار القطاع دون الحاجة إلى تهجير سكانه. وقد قامت مصر بالفعل بإعداد خطة متكاملة لإعادة إعمار القطاع في فترة لا تتجاوز خمس سنوات، وهو ما تم تنفيذه.

أما في الجانب السياسي، فقد كان واضحاً أن ترامب اختار تبني خطة اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يرفض حل الدولتين ويسعى لضم الضفة الغربية وإعادة احتلال قطاع غزة.

الدليل على ذلك هو مطالبة مصر والأردن بتخصيص أماكن لإيواء الفلسطينيين المبعَدين، بالإضافة إلى تأكيده الصريح على عدم السماح لهؤلاء المبعَدين بالعودة إلى وطنهم بعد انتهاء عملية الإعمار. ونظراً لأن هذا الجانب يُعتبر الأهم والهدف الحقيقي وراء الخطة التي أعلنها ترامب بالتعاون مع نتنياهو، فإن الأمر يتطلب استجابة عربية جماعية، لا تقتصر على رفض الخطة الأميركية الإسرائيلية للتهجير والضم، بل تتضمن أيضاً تقديم رؤية عربية بديلة لكيفية تهيئة الظروف الإقليمية والدولية لإعادة إعمار غزة بطريقة تؤدي إلى تحقيق سلام دائم في المنطقة. وهذه هي المهمة التي سعى البيان الختامي لقمة القاهرة إلى تحقيقها.

تضمن البيان الختامي للقمة الاستثنائية التي عُقدت في القاهرة يوم الثلاثاء الماضي 23 فقرة، مما يتيح استخلاص رؤية عربية موحدة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. يمكن تلخيص أبرز العناصر كما يلي:

1- الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين من أي جزء من وطنهم أو ضم أي جزء من أراضيهم، مع التأكيد على أن هذه الأفعال لن تسهم في استقرار المنطقة، بل ستزيد من تفاقم الأوضاع.

2- الدعوة إلى التنفيذ الكامل للمرحلتين الثانية والثالثة من اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين "إسرائيل" وحماس، والمطالبة بوقف فوري للتصعيد الذي تقوم به "إسرائيل" في الضفة الغربية.

تقديم الدعم الشامل للمؤتمر الدولي الذي ستعقده القاهرة لمناقشة سبل التعافي وإعادة إعمار القطاع.

2. الموافقة على إنشاء لجنة من الخبراء الفنيين لإدارة قطاع غزة تحت إشراف الحكومة الفلسطينية خلال فترة انتقالية مدتها ستة أشهر، مع التأكيد على أن الأمن هو مسؤولية فلسطينية بحتة.

3. دعوة مجلس الأمن إلى نشر قوات دولية لحفظ السلام في الضفة الغربية وقطاع غزة، في إطار "تعزيز الأفق السياسي لتحقيق الدولة الفلسطينية".

4. الترحيب بالجهود المبذولة لإصلاح السلطة الفلسطينية.

5. تقديم الدعم الكامل للجهود الرامية إلى تحقيق حل الدولتين، والمشاركة الفعالة في المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية، الذي سيعقد برئاسة السعودية وفرنسا في يونيو المقبل.

ومع ذلك، فإن تحويل هذه الرؤية إلى خطة عمل قابلة للتنفيذ على أرض الواقع يتطلب أكثر من مجرد كلمات الإدانة والشجب والترحيب والتحذير، وغيرها من العبارات التي لم تعد تؤثر على عدو لا يعرف سوى لغة القوة.

وبدون التقليل من أهمية وجود موقف عربي موحد يرفض الخطط الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين وضم أراضيهم، يجب على النظام الرسمي العربي أن يجيب على الأسئلة التالية: ماذا لو أصرت "إسرائيل" والولايات المتحدة على تنفيذ الخطط التي يرفضها، والتي تهدد وجوده؟ هل سيستمر في اتباع نفس النهج، أم أن لديه بدائل أخرى يمكن أن تساعده في تحقيق أهدافه بشكل أفضل؟

لا أريد أن أستعجل في الوصول إلى استنتاج مفاده أن قمة القاهرة لم تحقق الطموحات المرجوة. في كل الأحوال، سيواجه النظام الرسمي العربي اختباراً صعباً في الأيام القليلة المقبلة. فإذا فشل ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، المتوقع وصوله إلى المنطقة نهاية هذا الأسبوع، في إقناع "إسرائيل" بالدخول في مفاوضات لتنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق تعتبر الولايات المتحدة أحد الموقعين عليه والضامنين لتنفيذه، وخاصة إذا أُتيح لنتنياهو استئناف القتال، فسيتعين على النظام الرسمي العربي أن يستنتج بنفسه أن العالم المعاصر لم يعد يحترم سوى الأقوياء، وأنه لم يعد قوياً بما يكفي ليحظى بالاحترام الذي يستحقه.

انعكاسات القمة على الوضع في غزة:

أ. حماية المدنيين:

قد تساهم نتائج القمة في تخفيف المعاناة الإنسانية في غزة، خاصة إذا تم فتح ممرات إنسانية بشكل فوري لتوصيل المساعدات الطبية والغذائية.

ب. الضغط الدولي:

قد تؤدي القمة إلى زيادة الضغط الدولي على إسرائيل لوقف عدوانها، خاصة مع تأكيد المشاركين على ضرورة تدخل المجتمع الدولي.

ج. تعزيز التضامن العربي:

أظهرت القمة مستوى عالياً من التضامن العربي مع القضية الفلسطينية، مما قد يعزز الجهود المشتركة لمواجهة التحديات التي تواجه الفلسطينيين.

د. قطع الطريق على التهجير:

بإعلانها رفض التهجير القسري، أرسلت القمة رسالة واضحة إلى إسرائيل والمجتمع الدولي بأن أي محاولات لترحيل الفلسطينيين من غزة ستواجه معارضة قوية

التحديات المستقبلية:

أ. تنفيذ القرارات:

رغم النتائج الإيجابية للقمة، يبقى التحدي الأكبر في تنفيذ القرارات على الأرض، خاصة في ظل تعنت إسرائيل ورفضها وقف عدوانها.

ب. الوضع الإنساني:

مع استمرار العدوان، تظل الأوضاع الإنسانية في غزة على حافة الهاوية، مما يتطلب تحركاً دولياً سريعاً لتوفير الاحتياجات الأساسية للمدنيين

ج. الحل السياسي:

رغم تركيز القمة على الجوانب الإنسانية، إلا أن الحل الدائم للقضية الفلسطينية يبقى مرتبطاً بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة

قمة القاهرة جاءت في وقت حرج لتعكس التضامن العربي والدولي مع الشعب الفلسطيني، وتؤكد على رفض التهجير القسري ودعم الجهود الإنسانية في غزة. ومع ذلك، تظل التحديات كبيرة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي ورفضه للضغوط الدولية. يتطلب الأمر تحركاً دولياً جاداً لفرض وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، والمضي قدماً نحو حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية

في النهاية، تُعتبر القمة خطوة مهمة في الطريق الطويل نحو إنهاء معاناة الفلسطينيين في غزة، ولكن نجاحها سيعتمد على مدى جدية المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية.