د. عبد الله الشايجي
تبرز تركيا لاعبا رئيسيا ومؤثرا من ضمن اللاعبين الكبار
في قضايا وملفات الشرق الأوسط. وذلك بقوتيها الناعمة المؤثرة والصلبة العسكرية
الصاعدة والمتقدمة، من غزة وسوريا والخليج والقوقاز. وكما أوضحت في مقال سابق في
الشرق-»نرى استخدام تركيا المنهجي بخطابها وخططها وتوظيف الإعلام بذكاء هادف.
ويكرر الرئيس أردوغان-»أن النظام العالمي عاجز اليوم عن حل الأزمات. ونحن في تركيا
نصدح عدالة العالم أكبر من الخمسة ونحتاج لنظام عالمي أكثر عدالة وشمولية ويحفظ
حقوق المظلومين»..
شاركت بمؤتمر «سياسة إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط
وإعادة تشكيل التحالفات في المنطقة» بدعوة من مراكز دراسات عربية أبرزها أكاديمية
العلاقات الدولية الأسبوع الماضي في إسطنبول. وترأست جلسة السياسات الأمريكية
والتحالفات في رئاسة الرئيس ترامب الثانية. وقدمت ورقة عمل في الجلسة الرابعة:
«إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط والخليج العربي».
باستعراض
الأوراق والمناقشات بدى واضحا أن المنطقة تشهد متغيرات متسارعة - ولكن تقودها
سياسات الرئيس ترامب. برغم تركيز إدارته على أولويات الشأن الخارجي بإصراره على
إعادة تشكيل التحالفات ووقفه ثماني حروب. لكن يفرض الداخلي نفسه، على سياسات إدارة
الرئيس ترامب. خاصة بعد فوز مرشحي الحزب الديمقراطي بمناصب مهمة: عمدة مدينة
نيويورك وحاكمية ولايتي نيوجيرسي وفيرجينيا، وتمرير استفتاء ولاية كاليفورنيا
بإعادة رسم خمس دوائر تضمن فوز خمسة نواب من الحزب الديمقراطي تُنتزع من الحزب
الجمهوري!
لكن الملفت - علاقة الرئيسين ترامب وأردوغان الوثيقة.
ولا يفوّت الرئيس ترامب فرصة دون ذكره وإشادته بصداقته وبصلابة وموثوقية وخصوصية
علاقته الشخصية مع الرئيس التركي أردوغان.
ويعبّر الرئيس ترامب عن اعجابه بالشخصيات القوية
والصارمة. وفي أكثر من مناسبة أشاد ترامب بأردوغان ويكرر «لدى تركيا تأثير كبير في
منطقة الشرق الأوسط». ويُعزي الرئيس ترامب «الفضل للرئيس أردوغان في تغير الوضع في
سوريا وتغير الوضع القائم منذ ألف عام. وذلك بحضور الرئيس أردوغان في البيت
الأبيض.
ويؤكد الرئيس ترامب، «قدرة الرئيس أردوغان على المساعدة»
في إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. «ويحظى الرئيس أردوغان باحترام (الرئيس)
بوتين، وهو صديق لي، كما تعلمون، يمكنكم أن تروا لماذا أتفق مع الأقوياء، لا أتفق
مع الضعفاء. وكما تعلمون، عندما يواجه حلف الناتو مشكلة مع أردوغان، وهو ما
يفعلونه غالبًا. يتصلون بي للتحدث معه، ولم أفشل أبدًا في حل المشكلة فورًا».
وبرغم خلاف تركيا مع إدارة ترامب حول رفض وقف شراء النفط
الروسي، والتباين حول حرب إبادة إسرائيل على غزة - وإصرار تركيا المشاركة بقوات
الاستقرار العربية-الإسلامية في غزة - برغم رفض إسرائيل مشاركة قوات تركية - إلا
أن الرئيس أردوغان ذكّر الرئيس ترامب بدفع قيمة صفقة مقاتلات F35 وأن تركيا
شريك في تصنيعها. كما طالب بتوريد دفاعات «باتريوت» الصاروخية.
ونجحت تركيا بنسج، ووثقت علاقاتها الاستراتيجية مع دولة
قطر - بدعم ومسارعة تركيا بإرسال قوات إلى قاعدة العديد فور اندلاع الأزمة
الخليجية (2017-2021 (- لتتوثق العلاقات لاحقاً لمستوى استراتيجي. وقيام الرئيس
أردوغان بجولات خليجية.
ونجح أردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان
بإقناع الرئيس ترامب الاجتماع مع السوري أحمد الشرع في الرياض في مايو الماضي
اثناء جولة الرئيس ترامب الخليجية في مايو الماضي. ولاحقا برفع العقوبات عن الشرع
وعن سوريا.
يُضاف لدور وحضور تركيا المتنامي لعب دور الوسيط لوقف
الحرب على غزة. وما تملكه من علاقات مباشرة ونفوذ على قيادات حماس السياسية. ونفوذ
واسع مع النظام الجديد في سوريا بقيادة أحمد الشرع. وساهم تصميم ودور الرئيس
أردوغان البارز بنجاح أحمد الشرع وهيئة تحرير الشام بإسقاط نظام الأسد نهاية العام
الماضي. وهو ما أشاد به الرئيس ترامب شخصياً. كما يلعب الرئيس أردوغان دور الوسيط
باستضافة عدد من جولات المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لكنها لم تقد لوقف الحرب
المستمرة منذ فبراير 2022. وسيطا بين روسيا وأوكرانيا. ويشيد ترامب بأردوغان لدوره
كصانع صفقات واتفاقيات. ومواجهته للأكراد، مما يساهم بتقليص الوجود العسكري
الأمريكي في سوريا!! وقلب الدعم التركي للحكومة الشرعية في ليبيا الموازين ضد حفتر
في ليبيا، وقاعدة عسكرية في الصومال.
وفي مجال القوة العسكرية، تحتل تركيا في مؤشر القوة
العسكرية، Fire-Power Index وأقوى قوات مسلحة في الشرق الأوسط وثامن
أقوى قوات مسلحة عالمياً. وتركيا عضو في مجموعة العشرين. ونجحت تركيا بتطوير قدرات
التصنيع العسكري وخاصة المسيرات الانقضاضية بيرقدار. وتوازن تركيا عضويتها في
الناتو مع علاقتها الوثيقة مع روسيا. وتشكل عضويتها في أكبر تحالف عسكري - حلف
الناتو - وامتلاكها ثاني أكبر عدد قوات مسلحة في الحلف بعد الولايات المتحدة-إضافة
مهمة تمنح تركيا دورا مميزا على المستويين الإقليمي والدولي.
ويتعمد الرئيس أردوغان استفزاز إسرائيل علنياً بوصف
حربها على غزة بحرب إبادة. وخاصة تقدم مشاركين أتراك شاركوا في أسطول كسر الحصار
على غزة في سبتمبر الماضي، بعد اعتقالهم وتعرضهم لمضايقات وتعذيب.. لذلك أصدر
النائب العام التركي أوامر باعتقال بحق نتنياهو و37، ووزير الدفاع ورئيس الأركان
العامة وقائد سلاح الطيران وقيادات المخابرات والعديد من كبار القادة السياسيين
والعسكريين! ورغم كون الأمر رمزياً، لكنه يترك مضاعفات كبيرة على سمعة إسرائيل وعلى
العلاقة التركية - الإسرائيلية. لذلك يرفض نتنياهو مشاركة تركيا ضمن قوات
الاستقرار المكونة من قوات دول عربية وإسلامية في غزة!
عبّر الإعلام الإسرائيلي مؤخراً عن انزعاج حكومة نتنياهو
من تنامي وصعود دور تركيا وجرأة قرارات وسياسات أردوغان. وأنه ولا يمكن تجاوز
دورها كلاعب مؤثر في قضايا وملفات وأزمات المنطقة. وذلك يدفع ويجبر إسرائيل على
التعامل مع تركيا كقوة أمر واقع. مما يؤكد مكانة وتعاظم دور تركيا كلاعب إقليمي
مؤثر بطموح دولي غير ممكن تجاهله!!.
المصدر : الشرق القطرية
الآراء الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها ولا تعبّر عن
"آفاق نيوز".